مفهوم النجاح في عصرنا – أوهام السعادة والثراء والشهرة والمجد

مفهوم النجاح في عصرنا

مفهوم النجاح السعادة الشهرة

قبل أن نبدأ في مفهوم النجاح لابد أن معظمنا قد لمح هنا وهناك عناوين براقة وإعلانات جذابة مثل: طريق النجاح والسعادة والثراء، خطوات النجاح، أسرار النجاح، قصص النجاح، مفاتيح النجاح، وسائل النجاح في الحياة أو كيف تكون ناجحًا، أو الشهرة والنجاح وهلم جرّا.

والبعض بالتأكيد لا تكفيه بداية العبارة “لمح هنا وهناك” بل وقرأ وحضر محاضرات واشترك في دورات متخصصة من تلك الدورات الكثيرة التي يقدمها خبراء ومدربو تطوير الذات والتنمية البشرية.

لكن لا أحد يسأل ما هو هذا النجاح الذي نسعى إليه؟ أو بتعبير أدق، النجاح في ماذا بالضبط؟

مشكلة الموضوع

كتبت هذه التدوينة في محاولةٍ للوصول إلى إجاباتٍ لبعض الأسئلة التي تكوّن “مشكلة بحث” عند تناول موضوع النجاح وما يُثار حوله، وهذه بعض أسئلة البحث:

  • النجاح في ماذا بالضبط؟
  • على ماذا يتفق أكثر الناس ضمنيًّا عندما لا يسألون هذا السؤال؟ أو ما الجواب الموحَّد المشترك في أذهانهم إلى الحد الذي يعتبرون فيه أن هذا سؤال عن أمر بديهي؟
  • هل سكوت مسوقي قصص النجاح وكتب النجاح ودورات تحقيق النجاح عن تحديد إطار النجاح تكتيك مقصود بهدف النجاح في استيعاب أكثر عدد ممكن من المهتمين بالنجاح؟ النجاح في تسويق النجاح.

مفهوم النجاح

النجاح في اللغة لفظة عامة تفيد فقط معنى إتمام الشيء وإكماله(1) ولا أكثر من ذلك.

بمعنى ما هو ذلك الشيء وما طبيعته وهل هو شيء جيد أم سيء؟ هذا ما لا يشمله مفهوم النجاح، شيء وكفى.

أما في الاصطلاح فالصيغة الظاهرة على أكثر المؤلفين البارزين(2) في هذا المجال تجاهلهم  التام لتحديد المفهوم الاصطلاحي للنجاح، وترك الأمر للإسقاطات الفردية المختلفة لدى المتلقين، كلّ يرسم مفهومه الخاص عن النجاح.

عدا ذلك فأحسن ما قيل في تعريفه أنه تحقيق الهدف، أو الحصول على المراد، أو تعريفات مقاربة تدور حول هذا المعنى، وهذا مثل سابقه، ما هو ذاك الهدف والمراد؟ لا يحدد المفهوم شيئًا من ذلك.

وبالتالي فإنه يصلح القول بأن تحقيق أي هدف وتحصيل أي مراد هو نجاح.

مما حدا ببعض الباحثين(3) إلى إضافة قيد (المصلحة) في التعريف كي يُخرجوا منه المفاسد التي يدخلها عموم المفهوم.

التضليل في مفهوم النجاح

نعم، هناك غش وخديعة وتضليل في امتداح النجاح وتحقيق النجاح والترغيب في بلوغ النجاح دون تحديدٍ لإطار النجاح ووجهته، أو الإجابة عن السؤال الرئيس: النجاح في ماذا بالضبط؟

وإنما ترك الإجابة لما في أذهان الناس حسب ما تمليه عليهم غرائزهم وأطباعهم وأعرافهم ووسائل الإعلام والتوجيه في عصرهم، وما تقدّمه من مغالطات منطقية مركبة، بل والاهتمامات التافهة لبعض مشاهيرهم والتعبئة الذهنية المسبقة لأفرادهم، وحتى الأخطاء والانحرافات السلوكية والفكرية عند بعضهم.

وبعض الكتاب والرواد في مجال التنمية البشرية من المسلمين بلغ بهم التضليل إلى أن يستدلوا في امتداح النجاح والترغيب فيه بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، التي تعضد الفكرة في عمومها، كامتداح العمل والقوة والإتقان ونحو ذلك، أما التفاصيل الكامنة فمتروكة للشيطان.

المفهوم العام للنجاح

مفهوم النجاح وسائل النجاح في الحياة

إذا طردنا الوساوس الشيطانية، ونظرية المؤامرة، وأحسنا الظن في مقصود دعاة النجاح، وفي ما فهمه الجمهور، واستبعدنا الأمثلة التاريخية التي تؤكد لنا أنه من الممكن أن تتفق مجموعة كبيرة من البشر، مثل القبيلة أو الطائفة أو الشعب، على صحة أفكار ومشروعية سلوكيات يراها بقية سكان الكوكب خاطئة ومنحرفة بالأدلة القطعية، أقول إذا فعلنا كل هذا فسنصل إلى هذه النتيجة:

النجاح الذي يقصده تجار كتب النجاح، والنجاح الذي فهمه الجمهور، والنجاح الذي تتوجه أذهان الناس إليه عند سماع اللفظة هو النجاح بالمفهوم العام الإيجابي المشروع الحميد، مثل النجاح في المدرسة والنجاح في الوظيفة والنجاح في المشاريع التجارية والنجاح في العلاقات الإنسانية بما فيها الأسرية، والنجاح في الحياة عمومًا في إطار ما يراه الناس جيدًا وجميلًا ومندوبًا إليه.

حسنًا، وما الذي يراه الناس جيدًا وجميلًا ومندوبًا إليه؟ هنا نقع في مشكلة جديدة يجب أن نتطرق إليها بالتفصيل قليلًا كي نستطيع الإجابة عن هذا السؤال.

حجية الرأي العام

يعتقد البعض بنزاهة الرأي العام مطلقاً ورجاحته وإصابته للحق وأنه حجة على المخالف، وأحيانًا يضاف إليه الذوق العام.

وهو وإن كان يستبعد أن يجتمع الناس في الوضع الطبيعي على رأي عام فاسد منحرف في كل مناحي الحياة، إلا أن هذا لا يمنع أن يصيب الفساد والانحراف رأيهم العام في منحى أو اثنين أو ثلاثة، الحب، الزواج، العبادة، الاقتصاد، الأسرة.. إلخ.

ومن هنا من الممكن جدًّا أن يكون الرأي العام في مفهوم النجاح رأيًا خاطئًا.

العرف الفاسد

يقرر علماء الشريعة الإسلامية في القواعد الفقهية أن العرف حاكم، وأن العادة محكّمة، وليس هذا مُختصٌّ بعلماء الشريعة الإسلامية فقط، بل العقلاء بشكل عام، على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وقناعاتهم.

وبالرغم من قاعدة احترام الأعراف والعادات والتقاليد، إلا أن هذا الأمر ليس على إطلاقه، فقد يتعارف الناس كما سلف على أمر خاطئ منحرف، لذا قسّم الفقهاء العرف إلى قسمين: عرف صحيح وعرف فاسد.

أما ما المرجع في الحكم على هذا العرف أو ذاك بالصحة أو بالفساد؟ فعلماء الشريعة ربطوا هذا الحكم بالمعيار الشرعي، فالعرف الصحيح عندهم: هو ما تعارفه الناس، ولا يخالف دليلًا شرعيًّا، ولا يُحِل محرمًا، ولا يبطل واجبًا، كتعارف الناس على عقد الاستصناع، وتعارفهم على تقسيم المهر إلى مقدم ومؤخر.

والعرف الفاسد: هو ما تعارفه الناس، ولكنه يخالف الشرع، أو يحل المحرم، أو يبطل الواجب، مثل تعارف الناس على كثيرٍ من المنكرات في الموالد والمآتم، وتعارفهم أكل الربا، وعقود المقامرة.

أما المرجع في الحكم بالصحة والفساد عند غير أهل الشريعة الإسلامية، فقد يكون شرائعهم الدينية التي ينتمون إليها، فإن لم يكونوا أهل ديانة متَّبعة، فالقوانين الوضعية التي تعارفوا عليها، فإن لم تشمل قوانينهم الموضوع المختلف فيه، رجعوا إلى المبادئ الأخلاقية الكبرى التي يتفق عليها عموم البشر.

ولكن عند التحقيق سنرى أن القوانين الوضعية والمبادئ الأخلاقية الكبرى ستعود بنا من جديد إلى الاحتكام إلى العرف والعادة وبهذا نقع في دوران لا نهاية له، يعتبر أحد المغالطات المنطقية، وهذه معضلة فكرية قديمة تواجه مفهوم الحرية، لكن هذا ليس موطن بحثها(4).

إذن فالناس قد يتعارفون على مفهوم معين للنجاح، ويكون هذا المفهوم مفهومًا خاطئًا منحرفًا، والتعارف عليه عرفًا فاسدًا.

سطوة الواقع (عموم البلوى)

للواقع سلطة يصعب الخروج عن قبضتها، والواقع قد يكون جيدًا وقد يكون أسوأ من السوء نفسه، وإذا كان للواقع سطوة وسلطة منذ خلق الله الإنسان والأرض فإن عصرنا التقني أسهم في ارتفاع سطوة الواقع إلى أقصى حد بفعل العولمة المدعومة بتقنيات وسائل الإعلام والتواصل الجديد، التي ساهمت في رقمنة الإنسان المعاصر وحولته إلى شيئ قريب من الآلة.

وبدلًا من أن تكون سطوة الواقع كما في القديم بسبب واقعية الأمر في القبيلة أو القرية أو المدينة أو الدولة أصبحت سطوة الواقع بسبب الواقعية في العالم كله، العالم الذي تقوده القوى العظمى وعلى رأسها أمريكا ثم تعمم هذا النموذج الواقعي على بقية العالم.

وبسبب هذا فُرضت على الأفراد والمجتمعات والشعوب معايير ومفاهيم عالمية يصعب مواجهتها أو مناقشة صحتها، ومن يحاول ذلك سيصطدم بأقرب ضحية من ضحايا المدرسة الواقعية العالمية في محيطه الأقرب ليُسمعه المقولة الشهيرة: ياخي خلك واقعي!

ومن ذلك المعايير العالمية الكثيرة التي تُوزع على العالم للتقيد بها، بل إنهم أنشأوا منظمة دولية للمعاير باسم ISO تضم حتى الآن 162 عضوًا من دول العالم.

وفي عالمنا الخاص نحن المدونين وأصحاب المواقع الإلكترونية نرى أن معايير SEO الخاصة بمحركات البحث هي أيضًا من المعايير العالمية التي تجبر الأفراد على التقيد بها وإلا لفظته محركات البحث خارج الصفحات العشر الأولى في نتائج البحث.

سنة الله في الخلق

يرسل الله الأنبياء والرسل والمصلحين إلى الناس لكي يذكروهم بالقيم الرفيعة والأخلاق الحميدة ومقاومة الانسياق الرخيص للغرائز الدنيئة والشهوات الحيوانية، فإذا طال على الناس العهد بعدوا بالتدريج عن وصايا الأنبياء والرسل والمصلحين إلى أن يصلوا إلى مستوى خطير، فيرسل الله لهم مجددًا من يذكرهم ويعيدهم إلى الصواب، وهكذا.

قال تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) الحديد: 16.

وبسبب طول العهد بين عصرنا وبين عصور الأنبياء والرسل فإننا -أفرادًا وجماعات- نتجه تدريجيًّا بشكل طبيعي في خط منحدر أخلاقيًّا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وكلنا يرى في هذا العصر انحراف العالم بأجمعه في عدة قضايا كبرى، مثل انتشار الفساد بكافة أنواعه وغلبة الأشرار وشهرة الحمقى والتافهين وطغيان المادة وغير ذلك.

وإذا انحرفت معايير العصر في مفهوم الحق والباطل والحسن والقبيح انحرف معها مفهوم النجاح في ذلك، لأننا قلنا في التعريف أن النجاح هو إتمام الشيء وتحقيق الهدف، فإذا صبغ العصر الشيء الباطل القبيح بصبغة الحق الحسن صار إتمامه وتحقيقه أمرًا حقًّا حسنًا أيضًا تحت اسم النجاح.

مادية العصر

إحدى انحرافات عصرنا الصارخة هي طغيان المادية، المادية بالمفهوم العام في مقابل الروحانية، أو بالمفهوم الخاص (النقود) في مقابل المعنوية.

والمفهوم الأول العام منتج لا محالة للمفهوم الثاني الخاص، فمن يرى العالم كله عبارة عن مادة حتى في أجزائه غير المادية مثل العقل والوعي والروح والمشاعر سيصل حتمًا إلى أن المال هو المحرك الأساسي للمواد (الحياة) ومن ثم سينتهي إلى عبادة المال وتمجيده وتمجيد كل ما يوصل إليه، وسيعتبر ذلك هو ذروة سنام النجاح.

النجاح والمال والشهرة

نتيجةً للأسباب السابقة ساد في هذا العصر مفهوم واحد للنجاح ألا وهو النجاح في كسب المال أو الشهرة المنتجة للمال واعتبارهما أعلى مراتب النجاح، بل هما المعيار والنموذج الأبرز للنجاح، وسأفصل قليلًا في هذين العنصرين.

النجاح في كسب المال

كسب المال وتحصيله بالطرق المشروعة ليس بنقيصة، إنما النقيصة في أن يجعل الإنسان هذا الأمر هو محور حياته ومحركها وهدفها الأسمى، وقد كان الناس قديمًا يعيبون على من اتصف بهذه الصفة تحت مسميات عدة مثل: الجشع، الطمع، البخل، حب المال، المادية، لكنها في العصر المادي الحديث أصبحت عادة ثم عادة حسنة ثم فضيلة يعدّ بلوغها نجاحًا يتنافس فيه المتنافسون.

ومعظم الكتاب الذين يروجون لمواضيع النجاح يخجلون من إبراز هذه المادية صراحة في مقالاتهم فيدمجونها خفية مع قضايا أخرى بهذا الشكل:

النجاح في الاستقرار الاجتماعي، النجاح في الاستقرار النفسي، النجاح في تكوين الأسرة، النجاح في الوظائف النبيلة كالتعليم والتطبيب، النجاح في كسب المال، وكأن هذا الأخير جزءًا فرعيًّا لا مزية له على باقي إخوته.

لكنهم مهما ناوروا لإخفاء قناعتهم المضمرة عن ربط النجاح بالمال وزخرفوها بذكر أسباب أخرى إلا أنهم ينكشفون سريعًا في بعض أقوالهم وأفعالهم، ومن ذلك:

إبراهيم الفقي في كتابه الطريق إلى النجاح بعد أن ذكر أن للنجاح مكونات منها النجاح عمليا، النجاح اجتماعيا، النجاح ماديًّا، ومكونات أخرى، وجعلها على حد سواء عناصر للوصول إلى النجاح العام أو السعادة، عاد سريعًا بعد وريقات وذكر قصة سائق تاكسي اشتكى له من صعوبة الأحوال الاقتصادية وتلقائيًّا حكم عليه بالفشل والسلبية وعدم النجاح وعدم السعادة لأنه فقط لم يسع إلى امتلاك التاكسي بدلًا من استئجاره(5)، ولم يبحث الكاتب عن توفر بقية عناصر النجاح الأخرى عند سائق التاكسي.

تنويه

للأمانة لم أقرأ الكتاب كاملًا ولا أنوي ذلك، وقد يكون الفقي في الكتاب كان يوجه الناس إلى تحديد مفهوم النجاح وتنقيته من الانحرافات الشائعة، لكني اكتفيت بالمثال الذي يعضّد فكرتي فإن كان الفقي في المجمل لا يصلح لمثالي فافترضوا بالنيابة عني فقيا آخر ولن تعدموا.

وفي الإنترنت ستجد عشرات الكتب والمقالات الحديثة التي تروج للنجاح والتنمية البشرية وتطوير الذات وعندما تصل إلى فقرة صور من النجاح، أو نماذج لأشخاص ناجحين ستجد أنهم يكادون أن يتفقوا على ضرب الأمثلة بأشخاص تعثروا في بداية حياتهم ثم أصبحوا الآن على قائمة أثرياء العالم أو رواد الأعمال، وكل شيء يدور حول المال والثراء والمادة.

النجاح في تحقيق الشهرة

لم تكن الشهرة قديمًا غاية في ذاتها بل هي نتيجة لما اشتهر به الشخص إن كان بأمر حسن أو قبيح، أما اليوم فأصبحت الشهرة مطلبًا في نفسها بغض النظر عن الموضوع الذي ترتكز عليه.

والشهرة التي قد يطمح إليها الناس قديمًا هي الشهرة التي تأتي بمعانٍ نبيلة مثل المجد والعظمة والوجاهة والتأثير الحسن، وعلى العكس تمامًا كانوا يهربون كل الهرب من أن تُخلّد أسماؤهم بذكر سيئ يشوه سمعتهم.

ونحن نقرأ كثيرا في الأدب والتاريخ العربي تلك العبارة المتكررة على ألسنة أشخاص كثيرين: لا أريد أن تقول عني العرب كذا وكذا، والترجمة الحرفية: لا أريد أن أحصد شهرة بين الناس في أمر قبيح، ولم يكن هذا خاصًّا بالعرب وحدهم بل كل البشر على هذا.

أما الآن وبمساعدة العالم الرقمي أصبحت الشهرة نفسها هدفًا، مع انحدار ملحوظ في معايير التحسين والتقبيح العقليين، فأصبحت كل شهرة أمرًا حسنًا ومطلوبًا بغض النظر عن مادة تلك الشهرة وموضوعها.

بل إني أرى أبعد من ذلك، أن الشهرة اليوم أصبحت مخصصة للحمقى والتافهين على حساب أصحاب القضايا والأهداف الجادة، هذا في مجتمعاتنا التي لا تزال تحتفظ -على استحياء- ببعض القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية.

أما في المجتمعات الأخرى فإن الشهرة مفتوحة للجميع حتى نجوم التفسخ والانحلال والدعوات المنحرفة، وهم أسبق من غيرهم إلى الشهرة، ولا أدري هل هذه نتيجة طبيعية بسبب انحراف الناس في المجمل أم أن هناك أياد خفية تفعل ذلك؟ (نظرية المؤامرة).

المشاهير والتأثير

المشاهير نوعان:

النوع الأول: مشاهير لا يكون لهم تأثير في توجيه الناس لأن شهرتهم في أمر ثانوي غير هام مثل مشاهير الغناء والتمثيل والرياضة ونحو ذلك، محمد عبده، عادل إمام، ميسي، الفنانة ذكرى.

النوع الثاني: مشاهير لهم تأثير في توجيه الناس بغض النظر إن كان في خير أو في شر، مثل شهرة رؤساء الدول العظمى والمواقف الكبرى والمفكرين الكبار، مثل الأنبياء والملوك العظام، وفي عصرنا: تشرتشل، ترامب، محمد بن سلمان، نعوم تشومسكي، سلمان العودة، عزمي بشارة، عدنان إبراهيم.

لكن المشكلة التي نعاني منها اليوم هي في استنبات نوع ثالث من خلال استغلال شهرة النوع الأول لجعلهم من أصحاب النوع الثاني، فينتج لنا مشاهير ثانويين مؤثرين.

فنرى طارق العلي ينظّر في أمور السياسة، وإلهام شاهين تقود الجماهير والليدي جاجا تناقش المبادئ الأخلاقية للعالم ويُستشهد بأقوال عظيمة منسوبة إلى كاظم الساهر أو آل باتشينو أو يسرا وربما مايا خليفة.

وتبلغ هذه المشكلة ذروتها حين يُضاف إلى هذا النوع نوعًا جديدًا آخر وهم المشاهير الجدد مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي الذين لا يمتلك معظمهم من الرصيد إلا عداد المتابعين، فيصبح العنوان الجديد: مشاهير فارغين مؤثرين.

الشهرة والمال

قلنا إن الشهرة الفارغة من المحتوى الجيد مصيبة معاصرة، لكن إذا أضفنا إليها الشهرة الفارغة من المحتوى وذات الهدف التجاري أصبحت المصيبة أعظم.

واليوم نرى تسابق الناس إلى الشهرة والظهور بكل الوسائل الممكنة حتى أكثرها حماقة وسخافة لعلمهم أن هذه الشهرة ستجذب إليهم المال من خلال الإعلانات التجارية والظهور الإعلامي، ثم يعتبرون هذا من النجاح.

وكم مرة سمعت أحدهم يقول معترضًا: هذا الذي تقول عنه تافه وسخيف ومضحكة للناس يكسب كذا وكذا، وكأنه يقول: ليتني أكون مثله!

العلاقة بين النجاح والسعادة

يربط أكثر المتكلمين في مواضيع النجاح بينه وبين السعادة على أساس أنها ثمرة طبيعية له، فالنجاح يؤدي إلى السعادة والناجح سعيد لا محالة.

ولكن بعد أن رأينا فيما سبق أن النسبة العظمى من أحاديث النجاح تتجه إلى ربط النجاح بالمال، بل بوفرة المال والثراء، وبقدر ما يملك الشخص من مال يكون مستوى نجاحه.

وعلى هذا فقارون عندهم من أنجح الناجحين، وكذا كل المتربعين على قائمة أغنى أثرياء العالم، جيف بيزوس وبيل جيتس وملاك جوجل وفيسبوك والوليد بن طلال والبقية، وهؤلاء هم أسعد الناس.

والواقع يثبت خطأ هذه النظرية لوجود أشخاص يُفترض حسب هذه المعادلة أنهم ناجحون وسعداء لكنهم في حقيقة الأمر يعانون من أمراض نفسية مرهقة مثل الاكتئاب والقلق والاضطراب النفسي وبعضهم أدى به الأمر إلى الانتحار.

أسباب السعادة (النجاح الحقيقي)

أسباب السعادة النجاح الحقيقي

قال الله تعالى: (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) آل عمران: 185.

وقال تعالى: (ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) الأحزاب: 71.

وقال تعالى: (يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم) التغابن: 9.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أربعٌ من السعادة: المرأةُ الصالحة، والمسكنُ الواسِع، والجارُ الصالح، والمَرْكَب الهنيء)(6).

وقال: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)(7).

وسائل النجاح الحقيقي

من النصوص السابقة نستفيد أن السعادة والنجاح والفوز على الإطلاق لا يكون إلا في طاعة الله ورسوله المؤدية إلى دخول الجنة.

وهذا التفكير شبه معدوم عند دعاة النجاح والدالين على وسائل النجاح وكاشفي أسرار النجاح، إذ يقتصر اهتمامهم على وسائل النجاح في الحياة الدنيا ويتركون الحديث عن وسائل النجاح في الحياة الآخرة لخطيب المسجد وواعظ الكنيسة والمعقدين الذين لا يستمتعون بالحياة مثل أفراد تنظيم داعش والإخوان المسلمين، لا الإخوان المسلمين يحبون الحياة ويطمحون للسلطة أيضًا.

وسائل النجاح في الحياة

أما وسائل النجاح في الحياة الدنيا فأسبابها بسيطة بعد تحقيق شروط النجاح في الحياة الآخرة، وهذه الأسباب هي:
أسرة صالحة ومسكن مهيأ للعيش الكريم وعلاقة اجتماعية جيدة ووسيلة نقل مريحة والتمتع بنعمة الأمن والأمان والصحة والكفاف من الرزق، وحسبك.

فإذا وطّن الإنسان نفسه على الاقتناع بهذه الأسباب السهلة المتوفرة للأكثرية فإنه سيصبح شخصا ناجحًا سعيدًا.

بل على العكس إذا ربط الإنسان السعادة بتحقيق شروط صعبة مثل الثراء والشهرة فإنه سيقضي حياته يشقى في تحصيل ذلك وإذا نجح واحد فشل ألف سواه، لذا فإن القناعة كنز لا يفنى وسهل التناول.

تجربة شخصية

إذا اتفقنا على مفهوم النجاح الحقيقي والسعادة الحقيقية كما في الكلمات السابقة فإنني أصنف نفسي من الناجحين السعداء ولله الحمد والمنة والفضل.

فأنا لدي عائلة جميلة أحبها وتحبني (8) ولدي منزل يشتمل على المرافق الأساسية ولدي سيارة بها راديو ومكيف ودفع رباعي لليالي الصحراء ولدي قوت يومي وأتمتع بصحة جيدة وأشعر بالاستقرار النفسي وقبل ذلك كله، أطمع في رحمة الله تعالى والفوز بالجنة.

وبالرغم من هذه النعم الكبيرة الكثيرة وغيرها من النعم التي لم أذكر فإن هناك من المحيطين بي من ينظر إليّ على أنني شخص مشوش غير ناجح، بالطبع يقصدون النجاح السابق تفصيله.

وكثيراً ما يقال لي: لماذا لا تفعل مثل فلان المحلل السياسي والإعلامي الذي يظهر على شاشات التلفزيون يتحدث دوما عن موضوع حصار قطر وأسباب حصار قطر فكوفئ بمبلغ من المال قدره كذا وكذا (النجاح بمعيار جلب المال).

أو لماذا لا تفعل مثل فلان في سناب شات ينزّل دائما “شغلات حلوة” حتى أصبح من مشاهير السوشال ميديا (النجاح بمعيار الشهرة).

أو لماذا لا تفعل مثل فلان اشتغل على نفسه وفتح شركة ناجحة والآن يملك عقارات ومجمعات (النجاح بمعيار الثراء).

لكني مؤمن أن النجاح الحقيقي والسعادة الحقيقية بعد السعي لمرضاة الله يكونان في الهدوء والسكينة والاستقرار والصدق مع النفس والناس والنصح لهم ومحبتهم وإشاعة الفضيلة والمعاني الجميلة والإسهام ولو باليسير في إضافة عمل صالح للمجتمع.

النجاح أقرب مما تظنون أيها المتكلفون.

السعادة أبسط مما تظنون أيها الأشقياء.

 _________________

الهوامش

(1) الفيروزآبادي، القاموس المحيط: مادة نجح.

(2) انظر: جاك كانفيلد، مبادئ النجاح. جون سي ماكسويل، كيف يفكر الناجحون. نواه سانت جون، الشفرة السرية للنجاح. إبراهيم الفقي، الطريق إلى النجاح. الفقي، المفاتيح العشرة للنجاح. سمير شيخاني، سبيلك إلى النجاح والسعادة.

تحذير: درجت العادة أن نقول عند الإشارة للمراجع انظر، لكن نصيحتي لك ألّا تنظر في هذه الكتب كثيرا فهي مضيعة للوقت، وتعتمد على فكرة أن المال هو أهم وسائل النجاح في الحياة وهذا انحراف في تصور مفهوم النجاح.

(3) سيف النصر علي عيسى، مقومات النجاح في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وتطبيق ذلك في واقعنا المعاصر: ص10.

(4) ناقش علماء الأصول والفلسفة في الإسلام (المعتزلة والأشاعرة) هذه المسألة تحت عنوان التحسين والتقبيح العقليين، والمراد بذلك أهلية العقل وقدرته على الحكم على شيء بأنه حسن أو قبيح بمعزل عن حكم الشرع فيه، وفي هذا العصر العلمي المادي  يتوهم البعض أن الإنسان قادر على حل كل أسرار الكون والحكم عليها بالصحة والفساد والحسن والقبح بناء على ما توصل إليه الإنسان من علوم وقوانين واكتشافات وينسى أن كل ما اكتشفه الإنسان حتى الآن لا يساوي ذرة متناهية الصغر بالنسبة إلى ما لم يكتشفه بعد من بقية العلوم والأسرار العلمية، والإنسان بحواسه المحدودة وعمره القصير لا يستطيع اكتشاف القوانين النهائية المستقرة لبعض الظواهر الكونية طويلة الأمد مثل نظرية التطور والارتقاء، أو الظواهر الكونية متناهية الصغر والخفاء مثل الذرات أو الزمن، فكيف بكل القوانين الكونية النهائية؟ لكن في مقابل ذلك ” وسع ربي كل شيء علما” الأنعام:80.

(5) الفقي، الطريق إلى النجاح، ص11.

(6) صحيح ابن حبان، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.

(7) رواه الترمذي، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة.

(8) ويحب ناقتها بعيري، لن أتركها في نفسك.

د. عبدالله السالم
د. عبدالله السالم
شاعر ناقد مدون من قطر

2 تعليقات

  1. اهااا
    يا لها من أخبار طيبة كلها سرطان×سرطان

  2. يقول اخبار طبية:

    هل تعلم ان المغني اللبناني ( رامي عياش ) كان قد اصيب بورم سرطاني في الظهر و بعدها تعالج منه !! اذا اردت التأكد من الخبر يمكنك كتابة ( رامي عياش ) في قوقل
    هل تعلم ان المغنية اللبنانية ( أمل حجازي ) كانت قد أصيبت بمرض السرطان و اخفت مرضها و اضطرت للظهور على التلفاز بشعر مستعار بسبب المرض و بعدها تشافت و اعتزلت عن الاضواء ،، اذا اردت التأكد من الخبر يمكنك الكتابة في قوقل ( أمل حجازي )

اترك لي أثرك