هل يجب أن نحب أمريكا أم نكرهها؟

العرب وأمريكا

ما الذي تعنيه لك لفظة أمريكا عند الإطلاق؟ وبالتالي ما هي العلاقة الحقيقية سياسياً وثقافياً وإنسانياً بين العرب وأمريكا بلا مؤثرات خارجية؟

الحرب، التسلط، احتضان إسرائيل، الإمبريالية الغربية، التقدم العلمي، الديمقراطية، الحرية الشخصية، فرص العمل، الحروب الصليبية، الكفر، الانحلال الأخلاقي، هوليوود والإباحية في السينما، السيادة العالمية، أحداث 11 سمبتمبر، أم كل ذلك هو أمريكا وهو ما يحدد العلاقة بين العرب وأمريكا حقاً؟

أمريكا مفهوم واسع، كل واحد يتناوله من الجانب الذي يحبه أو الجانب الذي يخشاه.

أمريكا مكتبة العالم

يمكن تشبيه أمريكا بمكتبة ضخمة، ليس في المدينة سواها، وهذه المكتبة تحوي كتبا في الدين والطب والسحر والتكنلوجيا والجنس والأدب والقانون والإجرام وكل التصنيفات الممكنة، الخيّر منها والشرير، فهي المرجع الوحيد لأهل المدينة، وبفضلها يتعلم الناس في المدينة أساليب الحياة الناجحة، كما يستفيد منها أيضا المجرمون والسحرة والمفسدون في مجالات الشر.

وقيّم هذه المكتبة شيخ كبير، هو الذي أوصل المكتبة إلى هذا المستوى من التكامل والثراء المعرفي، ولو تدخّل أحد لتغيير طريقته في جمع الكتب وعرضها، لتوقف عن هذه الوظيفة الحيوية التي لا يحسنها سواه، بمعنى إما أن يعمل بهذه الطريقة أو لا يعمل أبدا.

المكتبة الأرض، القيّم أمريكا، ونحن سكان المدينة.

إذاً كيف سنتعامل مع هذا الرجل؟

أمامنا ثلاثة خيارات:

1-    إما أن نزيح هذا الشيخ الكبير عن وظيفته من خلال قتله أو طرده، وبهذا نغلق باب الشر، لكنا أغلقنا معه أبواب الخير وأضرينا بمصالح المدينة والتطور الإنساني فيها، وهذا أحد أطراف الحبل.

2-    وإما أن نتفق معه تماما ونرتضي كل أفعاله، وبهذا يبقى الخير في المدينة لكن يبقى معه الشر بلا أدنى محاولة منا لمكافحته، والحرب بينهما سجال، وهذا الطرف الآخر من الحبل.

3-    وإما أن نتخذ تدابير وإجراءات أكثر من مجرد قبول منهج الرجل الكبير أو رده، فنعمل على إشاعة الخير ومحاربة الشر بين أهل المدينة بالحد الذي نستطيعه ويضمن المصلحة، وتربية النشء وتوعية الجمهور ، وهذا هو وسط الحبل، وخير الأمور أوسطها.

والآن لنعد إلى أمريكا في الواقع لا داخل مكتبة الشيخ الكبير.

الخير والشر في أمريكا

إذا استبعدنا بعض القرارات والتوجهات السياسية والعسكرية الأمريكية التي تتصادم مع قضايانا العربية والإسلامية والشرقية مثل الحروب والتغول العسكري والثقافي ودعم إسرائيل.

وإذا استبعدنا أطروحات بعض المفكرين والكتاب والمثقفين الأمريكيين المتعصبين ضدنا، مثل فوكوياما وإنسانه الأخير وتفوق الاقتصاد الأمريكي وبقية رهانات المحافظين الجدد، أو هنتنغتون ورهانه على الحضارة المعاصرة و الهوية الأنجلوپروتستانتية الأمريكية.

أقول: إذا استبعدنا كل هذا فما الذي سيتبقى؟ إنه الكثير!

سيتبقى لدينا مئات الملايين من البشر لا يحملون لنا ضغينة ولا حتى عاطفة خاصة، وبعضهم لا يدري عنا أساسا لا عن ديننا ولا ثقافتنا ولا تفاصيلنا.

 سيتبقى المئات من المنشآت العلمية التي تصدّر الأدوية والمنتجات والابتكارات والأبحاث المتطورة للعالم.

سيتبقى المئات من المحاكم ومؤسسات المجتمع المدني التي تسيّر وتحفظ مصالح الناس وحقوقهم بشفافية وامتثال للقانون.

سيتبقى الملايين من الأطفال الأبرياء والشيوخ والعجائز المرهقين والغرباء القادمين بحثا عن لقمة العيش والسكينة.

بل وسيتبقى ملايين من المسلمين والعرب مثلنا وعشرات المساجد والمدارس والجمعيات الإسلامية.

وسيتبقى الكثير من الخير والسلام والحضارة، كل هذا في أمريكا وكل هذا لا يفسد العلاقة بين العرب وأمريكا بل يقويها.

أين كل هؤلاء الطيبون عن نظرتنا العدائية عندما نرى أمريكا بلد الشر الذي يستحق الإبادة!

الموت لأمريكا

يشمئز البعض منا ويتهيأ للقتال العاطفي عند معرفته لأول وهلة أن هذا الشخص أمريكي، أو هذه الشركة التي تبحث عن فرصة عمل في البلد شركة أمريكية، ويبدأ يستدعي رأساً الصورة الانطباعية الأولية لأمريكا العدو في ذاكرته السطحية، وصدام هنتنغتون الحضاري بين العرب وأمريكا المختلفة عنهم.

هذا هو الحكم المسبق والمطلق بانحياز غير عادل، أو فقل: هذا ما تفرزه التعبئة الذهنية.

المصيبة أن هذا العداء شعور بدائي سطحي يصلح فقط للاستهلاك الشعبي والشعارات التحريضية والهياط الفارغ من المحتوى.

أما في دواخلنا فلدينا مشاعر أخرى أكثر عمقا وصدقاً، لدينا ترسبات عاطفية لا واعية نترجمها في العديد من الانفعالات والاتجاهات السلوكية وهي على النقيض تماماً من هذا العداء المدعى لأمريكا.

إعجابنا بأمريكا

  • لابد أنه قد مر على بعضكم وأنا منهم في جلسات الأنس والسمر قصص عن هيبة الجواز الأمريكي في المطارات العالمية والتفاني في خدمة حامله، حتى لو كان يخفي في الحقيبة جوازا آخر تابعا لجمهورية منغوليا الشعبية.
  • تهافتنا على ابتعاث أولادنا للجامعات الأمريكية، والتفاخر بذلك بعد التخرج، فلان خرّيج أمريكا .
  • عقدنا الكثيرة المتعلقة بهذا الموضوع، عقدة الخواجة، عقدة ستوكهولم، عقدة المازوكية، جلد الذات، الشعور بالتفوق الغربي، الاستلاب الثقافي.
  • إعجابنا السافر بالريادة الأمريكية في مجالات الصناعة والإعلام والفن والتقنية والديمقراطية، وهو إعجاب ظاهر حتى لو أخفيناه في الادعاءات العامة.

أمريكا الإسلامية

 لنتساءل بعفوية: لو أن هناك دولة إسلامية، كما هي الدول الإسلامية اليوم (كي لا نستحضر إسلامية دولة الخلافة الراشدة) أصبحت فجأة هي الدولة العظمى في العالم تماما كما هي أمريكا اليوم، ماذا ستكون سياستها حيال الدول الأضعف والدول المعادية لها في الدين والثقافة؟

هل سيكفى وصفها بالإسلامية (كما هي عليه اليوم دولنا الإسلامية) لتصبح عنوانا للسلام والحب والعدل، أم ستكون أقل من ذلك بقليل؟ أم ستكون أقل بكثير؟

هل ستغزو الدول الأضعف باسم الجهاد بحثا عن مزيد من القوة والثروات؟

هل ستغزو الدول المعادية لها في الدين والثقافة باسم الجهاد أيضا والفتح الإسلامي؟

باختصار إلى أي حد ستتشابه هذه الدولة مع أمريكا حين نرى أمريكا دولة عظمى تستغل قوتها وعلاقاتها في تحقيق مصالحها كالحرب في إفغانستان والعراق ودعم إسرائيل والحرب على الإرهاب، وبقية نقاط الصراع بين العرب وأمريكا اليوم؟

وضوح أمريكا

لنصدق مع أنفسنا، لم تخض أمريكا أيا من حروبها متلبسة بلباس محاربة الإسلام أو العروبة، كانت واضحة ومباشرة، نحن نخشى الإسلام المتطرف والإسلام السياسي ولذا نحاربه بذرائع شتى.

يدير أمريكا نظام لا شرقي ولا عروبي ولا إسلامي وبالتالي فهو لا يهتم لكل هذه العناوين، بل يهتم لما يخالفها، وهو لا يخفي مشاعره في هذا ولا ينافقنا.

لا لوم على الأمريكيين حين يحاربوننا عسكريا أو سلميا فهذا هو المتوقع منهم، وإنما اللوم على أبناء جلدتنا الذين يوهموننا أنهم يناضلون لأجل قضايانا وعقائدنا وهويتنا فيما هم يفعلون كل شيء في الخفاء ليحافظوا فقط على عروشهم الصغيرة، حتى لو كان ثمن ذلك دماءنا البريئة.

د. عبدالله السالم
د. عبدالله السالم
شاعر ناقد مدون من قطر

3 تعليقات

  1. يقول وظائف خالية:

    أصبت قولنا فالكل ينادي ويقول بأنه البطل المغوار ولكن الحقيقة ان له فائدة خارجية ويفعل المستحيل حتي يحصل عليها ولا اريد أن أخص بالقول أحد

  2. يقول ندى السالمي:

    مساءالخير أ.عبدالله..حياك وحيا من معنا على هذه السطور
    أما عن شعوري نحو أمريكا فشعور مرير بمرارة أيام وسنين شعوبنا المسلمة والعربية..شعور يتخالطه الحنق والغبن نحو الفزاعة التي صنعناها بأيدينا(أموالنا ونفطنا)لنخيف بها بعضنا فإذا بتلكم الفزاعة تمتلئ حركة ونشاط وأسحلة فتاكة وقرارات طائشة تقصم الظهور وتقف الدور وتخرب المعمور وتنشر البلاء والشرور،فسحقا سحقا…وسلامتكم

اترك لي أثرك