عاهات المسؤولين : أمراض إدارية تصيب بعض المدراء - مدونة وسوم عبدالله السالم

عاهات المسؤولين

عاهات المسؤولين

عاهات المسؤولين عاهات نفسية بالدرجة الأولى، كأن تكون خليط من العقد المزمنة والمخاوف والقناعات الضالة والجهل.

وهي قد تكون أصلية في الشخص قبل أن يكون مسؤولا أو مكتسبة بعد توليه مهام مسئوليته الجديدة.

والمسؤول هو شخص قُدّم على غيره لقيادة مجموعة من فريق العمل قل أو كثر، وهذا المنصب يوضع فيه الأكفأ على الافتراض الصحيح، إلا أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أخبرنا قبل قرون طويلة أن في آخر الزمان ستسند الأمور إلى غير أهلها.

وهنا سأسرد بعض عاهات المسؤولين المنتشرة:

المركزية

وهي مرض إداري فتاك، يشل العمل تماما أو يعيقه كثيرا فلا تخرج النتائج على قدر المعطيات.

والمركزية لدى المسؤول نوع من الأنانية والجهل والتسلط وقد يكون الخوف أيضا، إذ يخنق العمل كله في دهليز واحد، هو دهليز ذاته المتضخمة، فإذا كان المسؤول مدير إدارة فإنه يصبح مديرا وسكرتيرا ومخططا ومنفذا ومحللا، بل وأحيانا فإنه يتدخل في شئون المطبخ ومواقف السيارات والحراسة.

أنا لا أطالبه أن يهمل كل هذه المهام بلا متابعة، ولكن أين التقسيم الإداري لمهام العمل؟ وما فائدة تقسيم الإدارة إلى أقسام وشعب ووحدات؟

رأيت بعض المدراء لا يجرأ أن يخول أحد من المسؤولين تحت قيادته بالتوقيع، حتى ولو كان الأمر طلب إجازة لموظف! أو أي أمر روتيني مماثل، وبهذا يوقع المسؤول العمل في مطب البطء وتراكم المهام وزحمة القرارات بلا داع.

على المدير أن يفعل خاصية التمكين والتفويض في إدارته، وهي تمكين وتفويض صاحب الاختصاص من أداء وظيفته دون الرجوع إلى المسؤول الأعلى، وبهذا يتحول الموظفون إلى خلية نحل منظمة كل واحد يعرف مسئوليته وينجزها بإتقان، ومن ثم يتفرغ كل مسئول في هذه الخلية إلى أمور أكثر فائدة وصعوبة.

وسبب المركزية لدى المسؤول أما الجهل بفنون الإدارة، أو الشك المرضي في كفاءة الغير، أو التلذذ بممارسة السلطة، أو الخوف من الأخطاء والمساءلة لاحقا، وكلها تصب في أنه قد أسند الأمر إلى من ليس أهلا له.

الإهمال

وهذه العاهة على عكس الأولى، وهنا يتحول المسؤول إلى قائد رمزي لقطيع من الهمج، كل واحد يترنح في العمل بلا هدى، بالإضافة إلى تسيب بعض الموظفين وكثرة الكذب والغش والمكائد والبطالة المغلفة.

وتكثر هذه العاهة لدى المسؤولين الآمنين من العقاب لكون المنشأة التي يديرونها منشأة شكلية، تعتمد فقط على بقائها موجودة مرئية للمارة ومرفوع فوقها علم ما، كبعض السفارات والقنصليات والمؤسسات المدنية جدا.

أو لكون تلك المنشأة منشأة في طريقها إلى  التحلل والتفكك كوزارة الكهرباء والماء في مرحلة سابقة.

أو لكون تلك المنشأة واجهة رمزية لهدف معين أو بلا هدف معين كتلفزيون قطر وبعض القنوات التلفزيونية.

المبالغة في إثبات الذات

ويكون ذلك على حساب العمل وأهدافه، وهنا ينصب اهتمام المسؤول إلى ممارسة أكبر قدر ممكن من كونه مسئولا، أما بين الموظفين من خلال تعنته وتعسفه في عدم المرونة في تطبيق جميع اللوائح والأنظمة مثل التأخر أو الحضور والانصراف، أو بين المراجعين مثل المبالغة في استخدام برستيج السكرتير، أو اللوائح الداخلية أو الاجتماعات التي لا داعي لها.

لذا تجد هذا المسؤول في مرات كثيرة يرد أحد العملاء أو الزوار ولا ينجز طلبه ليثبت فقط أمامه وأمام نفسه أنه مسؤول فعلا، وأن مصالح الناس بيده، يعطي من يشاء ويمنع من يشاء.

وتجده كثيرا يترك الضيوف في مكتب السكرتير بعض الوقت فيما لا شيء يشغله، فقط ليلقنهم درسا عمليا أنه هو المسؤول حقا.

التغرب

وأقصد به افتتان المسؤول بكل شخص غريب بعيد، فيرد طلب ابن جيرانه للوظيفة لكنه يوظف شخصا من أبعد الأبعدين، ليس لشيء فقط لأنه غريب.

ويرد عقد الشركة المحلية ويوقعه مع الشركة الأجنبية فقط لأنها أجنبية (عقدة الخواجة)، وهكذا.

بل أحيانا يحرم شخصا من أبناء عمومته من حق ما ويعطيه شخصا غريبا فقط لأنه غريب، وهذا الأمر ملاحظ ملموس.

وسبب هذه العاهة سبب نفسي عميق، عقدة إحباط مزمن من كل ما يحمل صلة قربى، تتكشف في عقد صغيرة أخرى كـ احتقار الذات (الذات هنا بشكلها الواسع، نحن)، وعدم الثقة بها.

العنصرية

أو التعصب، وهذا عكس السابق، لذا تجد المسؤول متعصبا لأهله أو بلده أو لونه أو قبيلته أو حتى منطقته السكنية.

فإن كان مسئولا من ذوي البشرة السوداء فإنه يقلب طاقم العمل إلى طاقم من ذوي البشرة السوداء، وإن كان بدويا فإنه يملأ الموقع بالبدو وإن كان حضريا مثل ذلك، وإن كان من قبيلة معينة، فإنه يستقطب أبناء قبيلته دون غيرهم.

وأنا هنا لا أطالبه أن ينكر فطرته البشرية في موالاة أقربائه وأهله، بل الأقرباء أولى بالمعروف، ولكن بشرط أن لا يكون هذا بالظلم والجور وإنكار الحق والعدل مما يضر بمصلحة العمل.

العجب والتكبر

 وهذا الأمر من أكثر عاهات المسؤولين انتشارا، لكن على تفاوت بينهم، فالمسؤول أثناء تأديته لعمله ينسلخ من الشخص الحقيقي الذي كانه قبل قليل، في البيت والمسجد والشارع  ويتحول إلى إمبراطور روماني تدين له الأرض بالطاعة من مشرقها إلى مغربها.

فيما قد لا تتعدى مسئوليته الإشراف على قطع الغيار المستعمل في إدارة المواصلات!

والكثير هنا يخلطون بين التكبر وبين الوقار المطلوب، إذ لا شك أن المسؤول لابد أن يظهر لا كما على طبيعته في البيت بين أبنائه، ولكن بالقليل من الزوائد الرسمية التي يتطلبها المنصب، مع الحذر أن لا يوقعه هذا في غمط الناس حقوقهم أو الاستعلاء عليهم أو الاستخفاف بهم وبكلامهم.

التخبط الإداري

وهذه المشكلة ناتجة عن جهل المسؤول بفنون الإدارة أو قلة خبرته أو شخصيته الفاشلة في الإدارة، فيما قد يكون في الواقع شخصية لطيفة رائعة وسليمة من كل عاهات المسؤولين السابقة، لكن الخلل أتاه من طرق أخرى خلاصتها قلة الكفاءة أو عدم الملاءمة للمنصب.

وهناك العديد من عاهات المسؤولين الأخرى التي لا تحضرني الآن، لكن ما ذكرته هو أبرزها.

د. عبدالله السالم
د. عبدالله السالم
شاعر ناقد مدون من قطر

15 تعليقات

  1. سعيد العيدة :

    بيجي يوم وبتصير مسئول وبذكرك : )

  2. خديجة :
    عليك نور ، امتيازات من باب شراء الذمة : )

    فعلا إطلاق سراح سامي الحاج شيء مفرح .
    تأثرت جدا بطريقة تقبيله لإبنه .

  3. يقول سعيد العيدة:

    تحياتي عبدالله
    الحمدالله أنني ليس بمسؤؤل أداري
    وشكرا لعرض بعض الأمراض المنتشرة في الأدارات
    سعيد العيدة

  4. يقول خديجة:

    سلام..

    تقريبا كده اختصرته عاهات المسئوليين وجبتها بطريقة مختصرة في كلامك ديا,, بس بالنسبة لي اكثر شي يقهرني في المسؤوليين انوا لما يعطوك امتيازات مش عشان عملك ولا جهدك من باب احسن الى الناس تستعبدهم يعني بعد الامتيازات اللي يعطوك اياها لو طالبت بابسط حقوقك ممنوع منها بدافع انوا اتفضلنا عليك فتحمد ربك وتسكت اذكر مرة لما اعترضت على قرار كان تعسفي من قبل مسؤووله اتهمت باتهامات اعوذ بالله (جاحده,,ناكرة للجميل,,أفتقد الى الاحترام والذرابة باللغ العامية الخ من الاتهامات )و في نهاية الاجتماع عندما حاولت المسؤوولة ممارسة الديكقراطية بسؤالها أي سؤال أو أي اقتراح تقدموه؟؟رفعت ايدي عشان اعتذر مش لانوا مخطئة او غلطانه بس من باب ان طاعك الزمان و لا طيعه ولاني ادركت انوا اتعامل مع ناس اسلوبها في الحياة أأمر فأطاع أما الي كانوا معاي قبل الجتماع لا و ما راح نسكت وحنتكلم و ساعة الجد خديجة المسكينة لقت نفسها لوحدها في نص الدوشة و الباقيين لما سألوا يا جماعه هالكلام اللي تقولوا صح؟لا أبدا حضرة سيادتك ههههه طب وين كلامكم الي قولتوا قبل لا ندخل يعني الحكاية حكاية مسؤولين وموظفين و الله المستعان هذا الي عندي الى الان
    شكرا جزيلا واسمحلي اعبر عن فرحتي هنا باطلاق سرح سامي الحاج عارفه الكل عارف بس مبسوطة عال اخرDDDDDDDDDDD:وعقبال كل الباقيين يا رب : :#

  5. يقول دانة الملا:

    اختصار جميل للأمراض النفسية التي يعاني منهابعض المسؤولين في دائرة حياتنا
    اهنئك
    :)

  6. أهلا عبد العزيز
    شكرا لحروفك .

  7. يقول عبدالعزيز جويدة:

    رائع وجميل جدا جدا جدا
    كل التوفيق لك
    عبدالعزيز جويدة

  8. متابعة :
    أولا : مبروك البوزشن
    ثانيا : مؤلم جدا ، أن يحارب الخير بهذا التواطؤ ، المفترض بهم أن يتبعوا طريقتك في الإدارة ما دامت تؤتي أكلها بهذا النجاح .

  9. رنا :
    كل مسئول مريض نفسيا ؟
    مش هذا اللي يسمونه التعميم اللا منهجي ؟
    كأنه هو .
    يبدو أنك تكتبين التعليق وفي ذهنك صورة لمدير محدد ، ربما مديرك المتسلط : )

    ولا أدري ما علاقة المثل الذي ذكرتيه بعاهات المسئولين .
    أهلا بعطرك .

  10. وحدة ولا ثنتين :
    مداخلتك جدا مفيدة ، سأنتظرك في تدوينات قادمة .

  11. يقول متابعه:

    استلمت اداره ما منذ فتره وكان عندي حس قيادي وافكار جديده

    والحمد لله علاقتي رائعه بالموظفات لاني اراعي الاحتياجات الانسانيه والنفسيه قبل العمل وخلقت من ادارتي نموذج اداره

    لكن تدري ماذا حدث بعد ذلك

    حوربت من الادارات التي بمستواي ورفعو شكوا للمسئولين

    بحجةان الموظفين لديهم يتذمرون عندما يرون واقع الموظفات بادارتي وتحرضهم سياستي على عدم انصياع موظفيهم….

    ومازلت احارب…

    واحارب….والعمل اصبح ساحة معركه
    :( ;)

  12. يقول رنا عرفات:

    والله كل مسؤول مريض نفسيا هذا المدير عامل حالة فاهم الدنيا وهو تيس والمشكلة تلاقي الموظف ينجز عملة ويتممة على أكمل وجهة ويجي الغبي المسؤال أنت غبي أنت ماتفهم ليش ماتستوعب والله أنت الغبي والتيس
    عشنا وشفنا ونهاية كلامي ككل واحد يري الناس بعين طبعة

  13. يقول وحده:

    نعم هي إحدى تفريعاتها التي لا تنتهي.

  14. وحدة :
    فعلا هذه العاهة منتشرة بكثرة ، اللمسة الأخيرة ، ما أجمل اسمها : )

    ظهرت لي كأنها إحدى تفريعات العاهة رقم (1) المركزية ، وإن اختلفت قليلا .

  15. يقول وحده:

    صباحك خير،

    +

    هناك عاهة “اللمسة الأخيرة ” ..

    و سيناريوها القياسي كالتالي:

    يأتي الموظف/ المرؤوس / وات ايفر بعمله الذي بذل في سبيل إنجازه أقصى جهد، ولم يبق سوى الختم النهائي لصاحب الـ(غ)ـلالة المسؤول، همممممم يراجع المسؤول التقرير، همممممم يهمهم في داخله ” ياربييييه، مافي نقص ظاهر! ”
    – شوف يابني! كم مرة أنبهك أن تجعل مسافة بين الـ”،” و الكلمة التي تسبقها، ألا تعرف قواعد الترقيم!؟

    كش على بعضهم ما أتعسهم، تعبوني من كثر تصحيحاتهم السقيمة!

اترك لي أثرك