تطوير الذات والتنمية البشرية والمنجمون الجدد، دورات بيع الوهم - مدونة وسوم

تطوير الذات والمنجمون الجُدد

تطوير الذات التنمية البشرية

التحق سريعًا بدورة تطوير الذات والتنمية البشرية:

كيف تخدع الناس بسرعة، وتوهمهم أنك تحمل أسرار الكون؟

كيف تتقمص أمام البسطاء دور المنقذ والخبير، وفتاح الأبواب المغلقة؟

تعلم طريقة تلميع نفسك أمام الجماهير في ست خطوات.

تعلم طريقة إيهام جليسك، وشريكك التجاري المستقبلي، وفريق التوظيف، أنك الشخص المناسب، حتى لو كنت في الواقع إبليس “أبو قرون”.

إذا كنت مهتمًا، فسجل معنا في دورتنا القادمة: تطوير الذات وتنمية المهارات، والله الله بدفع الرسومات، ونعدك بأن نصدر لك شهادة خبير معتمد، تمارس فيها بدورك هذه التجارة المربحة.

حقيقة تطوير الذات

كان يُفترض بهؤلاء المنجّمين، أن يصارحونا على المكشوف بخبايا اللعبة، ويكتبون إعلاناتهم واضحة بالطريقة أعلاه.

وقد انتشرت هذه الظاهرة التجارية، التي تبيع الوهم في وطننا العربي انتشار النار في الهشيم، فوجدت لها زبائن نموذجيين من المحبطين والكسالى، واللاهثين خلف النجاح السريع والشهرة والمال، بأية وسيلة متاحة.

ومن المؤسف للغاية، أن تنخدع مؤسساتنا وجهاتنا الحكومية والشعبية، بمثل هذه الأضواء الخادعة، فتقوم بهدر المال العام لإلحاق موظفيها بهذه الورش والدورات، أو استضافة بعض رموزها وأدعيائها.

والمتمعّن في مواضيع دورات تطوير الذات، وتنمية المهارات، يجدها ترتكز على ركيزتين:
الأولى: نصائح عامة في السلوك، والذوق، وأدب الحديث، والتفاؤل، وحفظ الوقت وما إلى ذلك، وهي نصائح وإرشادات تصلح أن يقدمها أي أحد، ما دامت مكتوبةً في منهج دراسي، وفي هذا لا تحتاج إلى خبراء وأساتذة ودفع أموال طائلة.

الثانية: فرضيات لا معايير علمية لتجربتها، تتحدث عن موضوع معنوي، يتعذر قياسه علميًّا، كالحديث عن الطاقة الداخلية، وقوى الجذب، والقدرة على قراءة الأفكار والتخاطر، وقد تم دسُّ هذا (التنجيم البديل) في النصائح لخلق الجاذبية والإثارة، وإيهام الناس أن هذا العلم الجديد مبنيٌّ على كل هذه الأسرار الخارقة، التي تُكشف لأول مرة عبر خطوات عملية محددة صالحة للكل، ويتم من خلالها صناعة المبدع.

الفرضيات الرائجة في سوق تطوير الذات

  • يسوّق أحد أساطين هذا الفن في عالمنا العربي الخليجي، قانونه المستورد المسمَّى بـ قانون الجذب.
    لاحظ أولًا طريقة الإيقاع بالضحية وإيهامه، الموضوع أصبح فجأةً قانونًا، أي تجاوز مرحلة الفرضية والنظرية فجأةً، إلى القانون الثابت المجرَّب. 

وخلاصة هذا القانون: أننا نجذب إلى حياتنا ما نشعر أننا نفكر به معظم الوقت.
حسنًا أستاذي، لماذا لم أجذب بعثتي الدراسية التي “حفصت” وأنا أسعى وراءها، أو أجذب منزلًا جميلًا؟

قال: لا، أنت لم تفكر بهذه الأشياء.

قلت: بلى فعلت.

قال : إذن لم تفكر بها معظم الوقت.

قلت: بلى فعلت.

قال: إذن لم تشعر أنك تفكر بالحصول عليها.

قلت: ماذا يعني؟

قال: حين كنتَ تفكر بها، كنت تفكر في حرمانك منها لا حصولك عليها،  ولذا جذبت الحرمان وتركتها!

قلت: أستاذ قم بس قم.

ثم يكمل الأستاذ الأسطوانة (مفرد أساطين أعلاه، ويُقال أسطون أيضًا) قوله:

لو شعر المريض الذي يعاني من مرض خطير، أنه يفكر بشفائه لشفي، لكنه يشعر أنه يفكر في مرضه.

الله أكبر يا أستاذي الأسطوانة، الرجل مريض وتطالبه أن يعيد صياغة الإنسان داخله، ويلغي خاصية الشعور الغريزي، فلا يشعر ولا يفكر في مرضه، فقط كي يصح قانونك؟

أنا أيضًا سأخترع قانونًا منافسًا لقانونك، سجل عندك:
عزيزي المهموم: كل الأمور ستصبح جيدةً في النهاية، فإذا لم تصبح جيدةً حتى الآن، فاعرف أنها ليست النهاية، وهذا وجهي إن زانت.

  • ومن أقوال خبراء فن علم تطوير الذات أيضًا: إنّ لكل شخص طاقة داخلية، إيجابية أو سلبية، وعند تركيز هذه الطاقة على أي شيء، الأشخاص والجمادات وحتى الأموات، فإن الطاقة تنتقل بين النقطتين في عمود مثل عمود الضوء، ويكون التأثير طردًا أو عكسًا، سلبًا أو إيجابًا، حسب قانون محدد لست بصدد ذكره الآن، وهذا خيال علمي محض، يصلح مادةً لفيلم كرتوني.

خدعة تطوير الذات

السمة البارزة في الحديث عن تطوير الذات والتنمية البشرية، هي استعمال لغة مطّاطة، تكثر بها مفردات مثل: النجاح، النفوذ، القوة، السيطرة والقيادة، وهي في معظمها لغة إنشائية عاطفية تدغدغ الآمال، وتقرب الأمنيات، ولا تنصب سلمًا حقيقيًّا للصعود إلى تحقيق ذلك.

كل هذه الفرضيات والنظريات مقبولة في حدود نطاقها، وهو طرح فرضيات علمية قابلة للنقاش، وغير قابلة للإثبات بالطبع، لأنها لا تحتكم إلى معايير الحس والتجربة والعلوم الطبيعية، وإنما افتراضات مبنيةٌ على الظن تمامًا، كتفسير الأحلام، والحديث عن الجن والغيب والفضاء البعيد، أما أن تتحول هذه الفرضيات إلى مادة إقناعية، تُباع بالمال في سوق تجارية حامية الوطيس، فهذا لا يختلف كثيرًا عن جلسات السحر والشعوذة والتنجيم، مدفوعة الثمن.

ورأيي أن هذا الفن الجديد قدم علينا ابتداءً، من خلال استيراد أفكار فلسفية ونظرية من الخارج، عبر اهتمام الدارسين العرب بطرح القضايا النقاشية، التي تدور في الأروقة الأكاديمية والبحثية، في مجال علم النفس وعلم الإدارة من باب الترف العلمي، ثم بعد ذلك جاء من يستغل هذه النقاط المثيرة، ليطرحها في السوق، كاكتشافات علمية قابلة للبيع، ومن هنا بدأ السيل والغثاء معه.

كما أرى أن رواج هذه السوق وكثرة ضحاياها، يقوم على ما تقدمه هذه الدورات والجلسات من التعبئة الذهنية، التي تعتمد على ملء ذهن المتلقي بمعلومات وإيحاءات، تجعله يعيد رؤيته للأشياء من حوله، بطريقة تشبه ما يُسمى بغسل الدماغ، فلا يؤمن إلا بما يراه، ولا يرى إلا ما يودُّ أن يراه.

وهكذا يعيش في وهم كبير من صنع ذهنه فقط، ولا علاقة له بما هي عليه الأشياء والناس من حوله على الوجه الحقيقي، فقد يرى نفسه ناجحًا ومحبوبًا وهو مدعاة للتندر، وإن وجد من يسخر منه فإنه يقيّمه تلقائيًّا، على أنه شخص عدو للنجاح، ويحتاج إلى جلسات في تطوير الذات ليتفق مع رؤيته.

نصائح النجاح السريع

ومعظم مادة هذه التعبئة الذهنية يقوم على تقديم نصائح، وتجارب، وإرشادات هدفها فقط كيف تصل إلى النجاح والشهرة بأي وسيلة، وبالطبع فإن النجاح هنا يُقصد به النجاح الاستهلاكي السريع والسطحي، نجاح عارضات الأزياء، ومشاهير الاهتمامات التافهة، وتجار الصفقات السريعة، وسماسرة الأسهم، وخبراء التسويق، تسويق أي شيء، وكذا المشتركين في تلك الورش والدورات، ومتابعيها والمفتونين بها.

كما أن العمل كله منصبٌّ على الذات وتلميعها أمام الآخرين، حتى ولو بطرق تصادم النقاء والصدق والموضوعية، فمن الطبيعي أن يقول خبير تطوير الذات للمريد المتدرِّب: عليك بالإنصات إلى من يحدثك، جميل هذه فضيلة، لكنه سيردف: ليس بالضرورة أن تنصت لتفهم ما يقول، ولكن لتكسب ثقته! يا للإحباط، إذن فالأمر هنا تمثيل وادّعاء وتزييف فقط لألمع صورتي أمامه، فأنال ثقته ومن ثم أضرب ضربتي.

ولهذا ظهر في سنواتنا الأخيرة، مجموعة من المشاهير بسرعة البرق، يطلّون علينا بكثرة من القنوات التلفزيونية، والصحف، والندوات، والإنترنت، وحين تدقق في أمرهم لا تجدهم يقدمون رسالة حقيقية محددة العنوان وواضحة المعالم.

فلن تجد واحدهم متخصصًا في تخصص علمي أو أدبي معيّن، ولن تجده يقدّم خبرته الخاصة في شأن ما، إنه فقط يتكلم عن كل شيء ولا شيء معًا، عن التكنولوجيا، والسياسة، والقانون، والتربية، والأخلاق، وعلم النفس، والتاريخ والسير، كل ذلك بلا ضوابط ولا تدقيق ولا عمق،  بل وكثير من ذلك يشتمل على العديد من المغالطات المنطقية المركبة بسبب شيوعها، ومن هنا انتشر مسمَّى المحلل السياسي في الإعلام العربي، أو الخبير بالجماعات الإسلامية أو الحركات الفكرية!

جربوا واستحضروا من ذاكرتكم الأسماء الشهيرة في تطوير الذات، التي تنطبق عليها هذه الأوصاف، وحين تؤمنون أن الهالة حولهم أكبر بكثير من أحجامهم الطبيعية، انشروا هذه القناعة بين معارفكم وأصدقائكم.

د. عبدالله السالم
د. عبدالله السالم
شاعر ناقد مدون من قطر

1 تعليق

  1. يقول جواد:

    ماهو السبيل الى تطوير الذات في نضرك بعيدا عن هذه الاوهام التي يرج لها
    تحياتي

اترك لي أثرك