المحلل السياسي : مهنة جديدة لمن لا مهنة له في الدول العربية - مدونة وسوم

المحلل السياسي في الإعلام العربي

المحلل السياسي

إذا تقطعت بك السبل ولم يكن هناك ما تتقنه في الحياة فجرب أن تكون سياسيا أو شاعرا شعبياً، أما إذا أردت النجاح السريع فعرف عن نفسك هكذا: معك المحلل السياسي المرموق، أو حتى بدون كلمة مرموق، فستتلقفك القنوات والإذاعات والصحف وبقية منابر السلطة الرابعة في العالم العربي.

يقول عبدالله القصيمي: العرب ظاهرة صوتية، وبعيدا عن مناقشة فكر القصيمي (أقول هذا قطعا للطريق على العرب الصوتيين الملاقيف) فإن هذه المقولة صائبة إلى حد بعيد.

فالعرب منذ القدم مشهورون بالكلام، والمحفوظ في الثقافة العربية هو أن الشعر ديوان العرب، مع ما يصاحب الشعر من نقاش ونقد ولغط وثرثرة أدبية قد يكون أحد أطرافها المحلل السياسي محلّلان ما غيره، لا تستبعد، ربما بكتابة حواشي سياسية فقط.

ما علاقة هذا بموضوعنا؟ إنه فن الكلام، أو بالأصح فن كثرة الكلام، إن كان من الفن في شيء.

المحلل السياسي والشاعر الشعبي من أكثر المخلوقات هذرة ، وبما أني أريد قصر الكلام على المحلل السياسي في شرقنا المهذار فأقول:

أظننا من أكثر الشعوب حديثا عن السياسة بالتوازي مع كوننا من أقل الشعوب ممارسة لها، ويبدو أن كثرة كلامنا فيها نوع من التنفيس و “فش الخلء(1)”.

والسياسة عرفت قديما بأنها علم الدولة أو علم السلطة وهو أبلغ ، ووردت كلمة السياسة كثيرا في المؤلفات الإسلامية تحت مسمى: السياسة الشرعية وهناك من تلك الكتب: السياسة الشرعية لابن تيمية والطرق الحكمية لابن القيم والأحكام السلطانية للماوردي والأحكام السلطانية لأبي يعلى وغيرها.

وبعض المسائل الفقهية التي طرحت في هذه الكتب اتخذت مادة في دعائم الاستبداد للأسف.

وكل هذه الكتب تبين الأساليب الشرعية لإدارة الحكم بين الحاكم والمحكومين وهي مسألة الخلافة والولاية أو بين المحكومين فيما بينهم وهي مسألة القضاء، أما غير ذلك فلا يوجد فئات من الناس يشتغلون بالثرثرة الزائدة في كل منبر، ويروجون المغالطات المنطقية المركبة، وهم من يقدّمون اليوم في المنابر الإعلامية تحت مسمى: المحلل السياسي والخبير السياسي.

فلان سياسي! أو زد قليلا وقل: فلان سياسي محنك، أو فلان محلل سياسي، ماذا يعني؟

في البلدان التي تمارس بعض الحرية السياسية قد يكون لهذا الوصف معنى، وحينها يكون معنى فلان سياسي محنك، أي: دجال مراوغ لا يصدق في وعد ولا يحفظ أي عهد ولا يرقب في أحد إلا ولا ذمة، والولاء والخيانة ونقض العهود والتلون والتقلب ألعابه الصغيرة التي يلعبها كي يصل لأهدافه القريبة والبعيدة.

إن المحلل السياسي والسياسي في تلك البلدان لابد وأن يمارس عملا حقيقيا تصح نسبته للسياسة أو بعض أشكالها ، فهو قد يكون منتميا لحزب سياسي موافق أو معارض للحزب الحاكم ، أو قد يكون عضوا في منظمة سياسية تعد الدراسات الاستراتيجية ولها علاقة مباشرة بأصحاب القرار ، أو كاتبا حرا في صحيفة أو أستاذا جامعيا في نفس التخصص وبالتالي لديه من التأثير ما يجبر الأنظمة إلى تغيير سياساتها الداخلية أو الخارجية .

لكن تعال إلى أصحابنا ذوي الحناجر والأقلام المملوءة بالصراخ والعويل والخوف والمداهنة ما الذي يقدمونه لنا؟

تصفحت مدونة أحد الصحافيين المشهورين والذي يستضاف كثيرا في القنوات التلفزيونية بصفته المحلل السياسي فلان الفلاني فوجدتها سبورة متسخة بالمقالات السياسية التي لا أدري ما الجديد المفيد التي تقدمه للقاريء .

عناوين مثل: العالم الإسلامي يتفكك، الأزمة بين السعودية والنظام السوري.. إلخ.

حسنا أيها المحلل السياسي الخطير، العالم الإسلامي يتفكك ، وماذا لديك؟ مفك يربط براغي العالم الإسلامي؟ ثم للتو علمت أن العالم الإسلامي يتفكك؟ إنه يتفكك منذ مئات السنين ولا يزال يتفكك فكوا حنكك.

ومثل هذا العديد من العناوين السياسية التي نقرؤها في الصحف والمجلات.

هؤلاء الكتاب السياسيون ليسوا في الحقيقة جزءا من المنظومة السياسية، لا في الداخل ولا في الخارج، وربما تجد أحدهم في الواقع مدرس رياضيات للمرحلة الابتدائية، والآخر فني اتصالات، والثالث صحفي.

مطلقا أنا لا أعلق المهارات على التخصص المهني أو التعليمي، لكن هذا أنا قلتها: مهارات، أو هوايات والسياسة لدينا اليوم هواية من لا هواية له، قلّب جهاز التحكم بين القنوات التلفزيونية لثلاثة أيام تباعا وستجد أن المحلل السياسي الذي بداخلك استيقظ وأن لديك ما تود أن تقوله، لكن قله لأصدقائك وأسرتك ومعارفك، لا تجعل من هذا قضية دولية.

أنا لا ألومك كثيرا ، اللوم على المنبر الذي يتيح لك كل هذا التمدد الثرثار على هيئة تخصص علمي.

أصبح كل من يملك قلما معبأ بالحبر أو كيبوردا موصولا بالكمبيوتر يستطيع التنظير السياسي، لا، ليته يستطيع التنظير السياسي حقا، عندها قد نستفيد من بعض النظريات الجديدة، المصيبة أنهم لا ينظر ولا يحلل ولا يأتي بجديد، فقط يصف ويستعرض المواقف السياسية بشيء من السطحية البلهاء، يكرر هذا كثيرا فيصبح محللا سياسيا يشار إليه بالبنان وأحد أساطين السلطة الرابعة!

ورغم ذلك..

هناك من يستحق المتابعة ، ليس لأنه مفكر أو محلل سياسي، بل لأنه في البداية مفكر  ومحلل حقاً، ثم لتأتي السياسة لاحقاً.


(1) فش يفش فشا فهو فشفاش أي: سياسي عربي.

د. عبدالله السالم
د. عبدالله السالم
شاعر ناقد مدون من قطر

12 تعليقات

  1. يقول عبدالله:

    عني انا فهمت : )

  2. يقول الطاووس:

    نحن وباختصار شديد نسير على سياسه
    من نوع اخر تسمى بسياسه

    (( هزي يا نواعم ))

    وسياسه اخرى يقال لها

    (( السح الدح امبوه الواد طالع لأبوه ))

    ياخي اي سياسه تريد وعن اي كتاب تتحدث في مجتمع اصبح 4/3 مفوهون وكتاب و شعراءوسياسيون واعلاميون و4/1 المتبقي ” مع الخيل يا شقرا ”

    في عصرنا الحالي بإمكان اي منا ان يكون بالصفه التي يريد وبالكلام الذي يريد

    وسيصفق له من يريد ومن لا يريد

    اتمنى ان لا يفهم احد ما كتبت

  3. يقول سعد الحوشان:

    هذا جزء من فلسفتي. وبقدر ما يبدو التغير أمر خطير، بقدر ما أجده باعث على الأمل أيضا.
    مع علمي أن بعض الأمور التي اخترتها لنفسي هي أمور مجربة. كترك الجدال الذي حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم.

    وما كنت أمزح بخصوص ذكائك. أعتقد انك حرك وفطين ما شاء الله.

  4. يقول عبدالله:

    [فأنت تبدو لي كشخص ذكي “ما شاء الله” بنوع من الذكاء الذي من الصعب كبحه، ولست أنا من هذا، من أوله إلى آخره، بشيء.] : لا لا صدقتك : ) .
    حسنا سعد ، جميل أنك تجد الراحة في منهجك الأخير ، أهم الشيء الارتياح الداخلي ، والناس يختلفون فيما يشعرهم بالارتياح ، البعض لا يجد راحته إلا على خط النار حيث الجثث والحرائق والدماء ، والبعض لا يجد راحته إلا في الظهور والشهرة وحصد الأضواء ، وآخرين يجدون ارتياحهم في العزلة ، إلخ .
    لذا ما يريحك قد لا يريح غيرك ، هذا متعلق بشكل أساسي بتركيبة كل منا النفسية والعقلية والثقافية ووو .
    لكن هناك همسة أخيرة : الإنسان دائم التغير والتجريب ، حتى بعد سبعين سنة مخولا لأن يغير معتقداته وولاءاته وحتى دينه ، وهذا مصداق حديث القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن ، لذا تنبه فقط أنه ليس ثمة مرحلة أخيرة للبحث ، ما وصلت إليه الآن ويشعرك بالرضى قد لا يفعل ذلك بعد سنين ، أو في مكان آخر ، أو مع أشخاص آخرين ، فكر في هذا فقط .
    لك مودتي .

  5. يقول سعد الحوشان:

    همممممممممممم… والله يا عبدالله هو أمر صعب اختصاره عموماً، على أني لا حاجة لي بقول هذا، فأنت تعرف بأني لا أعرف كيف أختصر على ما أعتقد.
    عموماً سأخبرك الآن ما يمر في خاطري وأهم ما قمت به حتى لا أطيل كثيراً.
    تركت الجدال، وأرجو أن لا يعتبر ما نحن فيه هنا جدال وأنا لا أدري. فلم يعد يهمني أن أثبت وجهة نظري لكل من اختلفت معه، لم يعد يهمني أن يقتنع من أمامي ما دام لا يريد، أو ما دام لا يناقش، إنما يجادل. جنبي هذا الناس المستبدين في رأيهم. وجعل نفسي أكثر ارتياحاً، وجعلني أكثر هدوء كشخص.
    كذلك، تركت الاهتمام بكل شيء، أو بأكثر الأشياء، أو بتعبير أدق، إعطاء الأمور أكبر من حجمها، الأمور والأشخاص بالواقع. فلكل شيء حجمه.لو قسمت اهتماماتي، أو كيفية إشغال فكري، فهي على هذا النحو: 90% على بضعة أشياء تهمني، و10% على كل شيء آخر حتى أبقى معاصراً، على بعض الإلمام، وما يحوز اهتمامي أكثر، يدخل في الـ90%، التي لا تثبت الأشياء فيها بالضرورة. يساعد هذا المرء برأيي على التخصص أكثر، والإنتاج أكثر بما يبرع فيه في كافة جوانب حياته بدلاً عن إضاعة الوقت والجهد والمعنويات، والمعنويات أهم شيء برأيي.
    ومن ناحية أخرى، وبشكل مرتبط بما فوق، لا أشغل بالي كثيراً بالانتقاد والحماس لأشياء ربما لا تكون تستحق كل هذا.
    وهذه بعض الأشياء يا عبد الله التي أتصور أن لذكرها فائدة، أما غير هذا فقد لا يكون ذا علاقه أو لي نظرة في طرحه هنا.
    وبقولي أتمنى أن لا نكون نتجادل، فليس فقط لأني لا أحب الجدل، ولكن لأن ما قد يناسبني قد لا يناسبك، لأننا شخصين مختلفين كثيراً على ما يبدو. كما أن الأمر يتعلق بقدرات المرء العقلية. فأنت تبدو لي كشخص ذكي “ما شاء الله” بنوع من الذكاء الذي من الصعب كبحه، ولست أنا من هذا، من أوله إلى آخره، بشيء.
    والسلام

  6. يقول عبدالله:

    سعد :
    أنا فعلا مهتم بما تتحدث عنه لكنك لا تريد أن تتحدث ، مثلا تقول : كنت تعيش وفقا لما أرى أنا والآن تغيرت وأصبحت أسعد ، حدثني عن هذا التغير فلربما أجد فيه مهربا لي .

  7. يقول سعد الحوشان:

    لكل شيء ما يصلح له يا عبدالله. منهجي كما تعبر ليس منهجي تجاه كل شيء، فليس كل شيء يستحق الشكوى والتذمر، وبالمقابل، ليس كل شيء يكفي أن نتذمر ونشكو منه، بل يجب بذل المزيد. ما أطالب به هو، إعطاء كل شيء قدره، لا أكثر، ولا أقل. فمنهجي تجاه الموضوع الذي تتحدث عنه، هو أنه أمر لا يستوي بالواقع سوا كما هو، في كل مكان بقدر ما تفرضه قدرات البشر وامكانياتهم. وبقدر ما فيه من سوء، إلا أن الشكوى لن تغير شيء، تغيير الوعي هو ما قد يغير واقع الناس، وليس واقع الحالة. هذا في أمر موضوعك الذي تناقشه.
    ربما أنا لم أعبر كما يجب. وربما رأيي خطأ برمته، ولكني أعيش وفقاً لما أرى، بعدما كنت أعيش وفقاً لما ترى أنت، وأجد نفسي أسعد الآن.
    شكراً على المجاملة، ما يشعرني بالإرتياح هو أنه لا أحد مضطر لقراءة هذري هنا أو في أي مكان آخر، ومع ذلك وجدت من يجاملني، من حيث لم أتوقع المجاملة بالواقع.
    عيدك مبارك

  8. يقول عبدالله:

    فعلا يا سعد :
    هي مسألة الهذر فقط : )
    لكن هذرك جميل ، لا تترك المثبطين ينالون منك ويوهمونك أن هذرك مزعج .
    اممممم سعد ألا تلاحظ أن هذا التوجه الذي تدعو إليه ، التوجه الذي يطالبنا أن نترك الأشياء على حالها ، ولا نغيرها لا بأيدينا ولا بألسنتنا ولا حتى بقلوبنا توجه سلبي جدا ؟
    ليس هذا فحسب ، بل عند محاولة التنظير له سيوقعك في التناقض .
    مثلا : تقول لي دع الحياة تمر هكذا كما هي عليه ، لا تعترض ، لا تشتكي ، لا تنتقد .. إلخ .
    حسنا ألا يجب أن تتركني أمارس كل هذا بالحق أو بالباطل بناء على منهجك اللامعترض ؟
    وبدوري أطالبك أن لا تعترض علي أو تقومني أو تصحح لي أخطائي المتعلقة برؤيتي للواقع وإدراكي له .
    لاحظت ؟ منهجك ينقلب على بعضه وبالأصح هو لا منهج .
    تحياتي يا سعد .

  9. يقول سعد الحوشان:

    أعتقد أني شرحته بالمقال؟

    الأمر ليس غريباً، ليس مستجداً ولا يستحق الشكوى، إنه من لوازم الحياة، إذا أردت الحياة فخذها بخيرها وشرها، وما تشتكي منه ولا يعجبك، هو من شر الحياة لا فكاك منه. وعليه، أعيد المسألة إلى وعينا بالجانب الجيد من الأمور. فكما قلت أنت، يوجد مفكرين يستحقون المتابعة، ولو ركزنا عليهم، لما همنا أمر المطبلين الآن، فلا فكاك منهم أساساً، وهم موجودين في كل مكان ليس لدينا فقط، ليسوا من عيوبنا وحدنا، ولكنهم موجودين.

    مع الاعتذار عن كثر الهذر.

  10. يقول عبدالله:

    سعد :
    حسنا قل لي : كيف سيكون شكلي في المقال أعلاه لو كنت مدركا للواقع ؟
    بشكل أوضح : ما إدراك الواقع الذي فاتني ولمسته في المقال ؟

  11. يقول سعد الحوشان:

    ولكن يا عبدالله، هذا أمر موجود في كل مكان وفي كل مجال في الحياة برأيي. قصورنا كمسلمين لهذا الزمن ربما يظهر نقائصنا، كالأمر الذي تكلمت عنه، أكبر من مما هي عليه بالواقع. ولكن هذا بأي حال لا ينفي النقيض، إنما يثبت درجة وعينا الاجتماعي به. لست أفهم بالسياسة، ولا أهتم بها، ولكني أحاول أن أجعل ثقافتي السياسية الصغيرة واقعية وصحية على الأقل، وعليه، أعلم بأن تعميمك هو تشاؤم مثل الكلام، كلاهما أمرين اشتهرنا بهما مؤخراً. أرى أنك تدور في حلقة مفرغة إلى حد بعيد، لست تقول أكاذيب أو تفتري على الواقع، ولكنك لست مدرك له تماماً برأيي. وربما تقع ببعض الأخطاء التي تشجبها، على أني أوافقك أنه لا فائدة من الطرح بلا حل أو محاولة على الأقل، ولكني لا أعترض على الطرق التي لا توافق رأيي، لأنها ببساطة أمور غير مستجدة، ولن تنتهي.
    إن العلة ليست بكثرة أشباه المفكرين السياسيين لدينا كما تعبر، فأنا أثق أنهم كثرة في كل مكان، العلة هي في وعينا تجاه المفكرين الحقيقيين. وهذا ما يجعلنا نحسب أنهم كثرة لدينا فقط وليس لدى غيرنا الأكثر وعياً.
    قس على هذا كل الحال في مجال آخر.
    أرى ثقتك بفكرتك وأتفهم عدم اعجابك بالأشكال التي تتحدث عنها. لا يعجبونني كذلك، في أي مجال.

  12. يقول عماد حيدر:

    صدقت

اترك لي أثرك