ينكر البعض ظاهرة الحرب على الإسلام السياسي في العصر الحديث، ويزعم أن كل ذلك تدافع بشري طبيعي على السلطة والمال والزعامة، أو لأن الجماعات الإسلامية المعاصرة توقع نفسها في المشاكل دائماً، أو لأن الإسلاميين ليسوا أهلاً للحكم.. ونحو هذا.
المهم أنه لا يوجد تآمر ضدهم، ولا عداوة أعمق وأبعد من الخصومة الطبيعية بين الفرقاء.
إلا أنه في هذه التدوينة والملف المرفق سنطلع على بعض الوثائق السرية التي تؤكد وجود مؤامرة شريرة على المتدينين جميعاً في مصر، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، أثناء حكم عبدالناصر والسادات، وهدفها الأساس الحرب على الإسلام السياسي وأهله.
مؤامرة دولية عابرة للقارات والأديان، يشترك فيها اليهود الصهاينة والنصارى الأقباط، والنظام المصري المسلم، والأمريكان المستعمرين، وأجهزة مخابراتهم وجواسيسهم، ضد جماعة الإسلام السياسي في مصر في تلك الحقبة الحرجة.
قفازات الأعداء
تتخذ الحرب على الإسلام السياسي أشكالاً تمويهية عدة.
فمرة يكون العداء من إخوانهم في الدين والعروبة، فتأخذ الخصومة هيئة (إخواننا بغوا علينا).
لكنه في الخفاء يكون بمشاركة وتوجيه مباشر من أعداء الأمة، من اليهود والنصارى وبقية أهل ملل الكفر.
ويكون العداء مرة تحت شعارات سياسية، الحزب الوطني ضد الحزب الإسلامي، منافسة شريفة في العمل الديمقراطي.
ومرة تحت شعارات فكرية، ليبرالي مسلم، أو علماني ضد جماعات الإسلام السياسي.
ومرة تحت شعار خلاف فقهي، السلفية أو الجامية ضد الإسلام الحركي.
وحين نتفحص قوة العداء وشكله سنجد أنه يتجاوز مستوى الخلاف السياسي والفكري والفقهي إلى مستوى “عض الأنامل من الغيظ” والحقد والعداوة الشخصية، إذ المسلم الخصم هنا مستعد لأن يتساهل أو يتفاهم مع الكل إلا أخيه الإسلامي هذا، ومستعد أن يتآمر ويتحالف ضده حتى مع الشيطان.
وهذا ما يؤكد لنا أن كل هذه العداوات المقنّعة ماهي إلا وجه من وجوه الحرب الأولى على الخير والدين، ومنها اليوم الحرب على الإسلام السياسي.
وثائق سرية
أصل الوثائق تقرير للجنة عليا طلب تشكيلها الرئيس المصري آنذاك، جمال عبد الناصر ما بين عاميْ (65 – 67) لمكافحة جماعة الإخوان المسلمين المنحلة، وقد تم تنفيذ ما جاء في التقرير حرفياً.
وقد تكونت اللجنة من كبار مسؤولي الدولة مثل: رئيس مجلس الوزراء، وقائد المخابرات، وقائد المباحث الجنائية العسكرية، ورئيس المباحث العامة سيئ السمعة صلاح نصر، ومدير مكتب المشير، وسيئ السمعة الآخر شمس بدران.
وقد كان هناك قسم بالمخابرات والمباحث العامة اسمه قسم مكافحة الإخوان المسلمين.
التقرير
ورد في التقرير مجموعة من الملاحظات التي سجلها المتآمرون كونها من أسباب المشكلة، ومن ثم قدّموا في مقابلها الإجراءات المناسبة لحلها، من ذلك:
طمس التاريخ الإسلامي
“تدريس التاريخ الإسلامي يربط السياسة بالدين في لا شعور التلاميذ منذ الصغر مما يسهّل ظهور معتنقي الأفكار الإخوانية”.
هذه ملاحظة خطيرة سجلها فريق المتآمرين، أن التاريخ الإسلامي الذي يذكر الخليفة والخلافة والوحدة الإسلامية والجهاد والحدود الشرعية، يصنع مشكلة في تربية النشء بحيث يجعلهم مسلمين! عفواً، إخوان مسلمين.
فما الحل؟ الحل المقترح هو العلمانية، كما ورد في التقرير:
“تغيير مناهج تدريس التاريخ الإسلامي والدين في المدارس، وربطهما بالمعتقدات الاشتراكية، كأوضاع اجتماعية واقتصادية وليست سياسية، مع إبراز مفاسد الخلافة، وخاصة زمن العثمانيين، وتقدم الغرب السريع عقب هزيمة الكنيسة وإقصائها عن السياسة”.
إذن الإسلام هو المشكلة. العلمانية هي العلاج!
إنهم أناس يتطهرون
تقول الملاحظة بتصرف:
غالبية أفراد الإخوان المسلمين أشخاص أنقياء لم تدنسهم الحياة الحديثة بآثامها وأوساخها المادية والأخلاقية!
هل هذه مشكلة؟ نعم التقرير يراها مشكلة، فهذه الطهارة ستجعلهم أقوى، أصدق، أثبت على المبدأ، ولا بد من حل لهذه المشكلة.
فما الحل المقترح؟
“التوقف عن السياسة السابقة في السماح لأي متدين بالسفر للخارج للدراسة أو العمل، حيث فشلت هذه السياسة في تطوير معتقداتهم وسلوكهم، وعدد بسيط جداً منهم هو الذي تجاوب مع الحياة الأوربية في البلاد التي سافروا إليها.
أما غالبيتهم، فإن من هبط منهم في مكان، بدأ ينظم فيه الاتصالات والصلوات الجماعية أو المحاضرات؛ لنشر أفكارهم”.
إذن، خطة دفعهم إلى الحياة الحديثة لإفساد طهارتهم موجودة، وهو ما وصف بـ “التجاوب مع الحياة الأوروبية”.
وطلب إيقاف تنفيذ الخطة ليس صحوة مفاجئة للضمير عند ثلة المتآمرين، وإنما لأن الخطة لم تؤت أكلها، لأن هؤلاء الإخوان المجرمين ثبتوا على ممارسة جرائمهم المعروفة، الصلوات الجماعية وإلقاء المحاضرات، حتى بعد أخذهم إلى أوروبا والصرف عليهم، ولم ينحدروا في طرق التهتك الفكري والانحراف السلوكي.
لا للمواطن الصالح
يقول التقرير:
“غالبيتهم ذوو طاقة فكرية، وقدرة تحمل ومثابرة كبيرة، ومتفوقون على أندادهم في المجالات العلمية والعملية”.
هذه مشكلة عويصة، فماذا سنفعل تجاهها؟ يجيب التقرير:
“إدخالهم في سلسلة متصلة متداخلة من المتاعب تبدأ بالاستيلاء أو وضع الحراسة على أموالهم وممتلكاتهم، ويتبع ذلك اعتقالهم.
وأثناء الاعتقال يستعمل معهم أشد أنواع الإهانة والعنف والتعذيب على مستوى فردي وجماعي.
ونتيجة هذا الإجراء حسب التقرير:
“بالنسبة للمعتقلين: اهتزاز المثل والأفكار في عقولهم، وانتشار الاضطرابات العصبية والنفسية والعاهات والأمراض فيهم.
وبالنسبة لنسائهم: سواء كن زوجات أو أخوات أو بنات؛ فسوف يتحررن ويتمردن بغياب عائلهن، وحاجتهن المادية قد تؤدي إلى انزلاقهن.
بالنسبة للأولاد: تضطر العائلات -لغياب العائل وحاجتهم المادية- إلى توقيف الأبناء عن الدراسة، وتوجيههم للحرف والمهن، وبذلك يخلو جيل الموجهين المتعلم القادم منهم”.
بالله عليكم هل هذه خطة أمنية عادية لمحاربة مشاغبين مثيري فتن، ولإرساء الأمن والاستقرار، أم خطة شيطانية تقطر حقداً ولؤماً وعداء شخصياً؟
خطة تذهب إلى حد التخطيط لانزلاق نساء الخصم إلى الرذيلة، وأولاده إلى الجهل والفقر؟
حتى كفار قريش لم يصلوا إلى هذا الحد النذل مع المسلمين!
المافيا الروسية تعفّ عن هذا المستوى المتعمق في الخبث مع الخصوم.
العداء طويل النفس
يناقشون في الخطة السرية أحوال من سيعفى عنه من المساجين الإسلاميين، بشيء من النذالة الاستراتيجية، فيقولون:
“سوف تشترك جميع الفئات المعفو عنها في الآتي:
1. الضعف الجسماني والصحي، والسعي المستمر خلف العلاج.
2. كراهية فكرة الإخوان والنقمة عليها.
3. عدم ثقة كل منهم في الآخر، وهي نقطة لها أهميتها في انعزالهم عن المجتمع وانطوائهم على أنفسهم.
4. خروجهم بعائلاتهم من مستوى اجتماعي إلى مستوى أقل؛ نتيجة لعوامل الإفقار التي أحيطت بهم.
5. تمرد نسائهم وثورتهن على تقاليدهم، وفي هذا إذلال فكري ومعنوي.
6. كثرة الديون عليهم”.
بالإضافة إلى إجراءات أخرى يندى لها الجبين، مثل:
1. حرمان ذوي الإخوان وأقربائهم حتى الدرجة الثالثة من الانخراط في السلك العسكري أو البوليسي أو السياسي مع سرعة عزل الموجودين منهم.
2. إكراه البعض على كتابة تقارير عن زملائهم بخطهم، ثم مواجهة الآخرين بها، لفقدان الثقة بينهم وتحطيم وحدتهم.
3. تضييق فرص الظهور والعمل أمام المتدينين عموماً في المجالات العلمية والعملية.
4. تشويش الفكرة الموجودة عن الإخوان في حرب فلسطين والقنال، وتكريس النشر عن اتصال الإنجليز بالهضيبي وقيادة الإخوان، حتى يمكن غرس فكرة أنهم عملاء للاستعمار في ذهن الجميع.
إضافات السادات وزبانيته على تقرير عبد الناصر
ثم جاء أنور السادات ورجاله وبنوا على هذا التقرير، وعللوا استفحال مشكلة الإسلاميين في عصرهم بالتوقف عن متابعة تنفيذ ما جاء في التقرير من بنود الحرب على الإسلام السياسي، وأضافوا بعض النقاط الجديدة، مثل:
- التحري عن الآباء الروحيين وتشويه سمعتهم.
- تشجيع غلاة المتطرفين بعد القبض عليهم وتصعيد الغرور فيهم، حتى تكون تصريحاتهم المغرورة المتزمتة مادة لأجهزة الإعلام؛ لإثارة الجمهور عليهم.
- تحريض بعض شبابهم في الجامعة بطرق غير مباشرة، وتيسير حصولهم على الأسلحة والمفرقعات المحدودة؛ لتصفية بعض العناصر غير المرغوب فيها، على غرار قضية الشيخ الذهبي!
- تكرار استعمال تعبير (جماعة التكفير).
- تكليف لجنة جانبية بتخطيط عمليات يلجأ إليها وقت اللزوم، إما محاولة انقلابات تنسب لهم أو محاولة اغتيال وتخريب.. إلخ.
- الاستعانة بأعضاء نوادي الروتاري والليونز وإعطائهم مزيداً من التسهيلات والرعاية.
وغير ذلك من الطوام اللا أخلاقية الشنيعة.
والأشد والأنكى، إشراك عناصر خارجية للمشورة وتقديم المقترحات، وهم:
- مساعد الرئيس الإسرائيلي بيغن!
- نائب غبطة البابا القبطي.
- ممثل لجنة مكافحة التطرف الإسلامي خبير الشؤون الإسلامية بالسفارة الأمريكية في القاهرة.
هل الخلاف مع هؤلاء الأعداء الخُلّص خلاف سياسي أو فكري أو فقهي، كي نستعين بهم في محاربة إخواننا ونسمع آراءهم ونأخذ بمشورتهم؟
ما المتوقع أن يقول زعماء الصهاينة عن الإسلام السياسي، بل عن الإسلام والمسلمين عموماً؟
ما المتوقع أن تقول هذه الأفعى اليهودية التي تسعى في معاقل الإسلام عن ضحاياها؟
أظن أن المستشار الصهيوني قال لهم:
نعم أنا صهيوني ابن ستة وستين صهيوني ومساعد رئيس كيان الصهاينة، وآبائي وإخواني الكبار هم الذين عملوا على إسقاط دولة الخلافة الإسلامية، واحتلوا فلسطين، ولا زلنا في حالة حرب مع المسلمين.
فإذا سألتموني عن رأيي في جماعة الإخوان المسلمين الذين قاتلونا في فلسطين، والذين ينادون بالجهاد الإسلامي لإخراجنا، والذين يريدون استرجاع الدولة الإسلامية لمحاربتنا، فسأقول لكم:
أبيدوهم عن بكرة أبيهم خبيبي!
تقرير ضابط المخابرات الأمريكية
أما التقرير السري الثالث فتقرير كتبه ريتشارد ب ميتشيل، الجاسوس الأمريكي مؤلف كتاب الإخوان المسلمين، وقدمه إلى المسؤولين في عمله.
ويستند العميل الأمريكي في تقريره المخابراتي على تقارير المخابرات الإسرائيلية والمصرية، التي تفيد أن القوى الحقيقية التي يمكن أن تقف في وجه اتفاقية السلام المزمع عقدها بين مصر وإسرائيل هي التجمعات الإسلامية وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين.
ويقدم هو الآخر اقتراحات خبيثة في الحرب على الإسلام السياسي، مثل الاغتيالات والإغراءات وبعض الإجراءات الخفية القذرة، كما في التقرير.
المصدر والموثوقية
نشرت هذه التقارير الثلاثة ضمن ملاحق رسالة علمية، قدمت إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، نال بها المؤلف درجة الماجستير بتقدير امتياز ومرتبة الشرف.
طبعت الرسالة في كتاب أول مرة سنة 1987م بعنوان: الطريق إلى جماعة المسلمين، تأليف: حسين بن محسن بن علي جابر، وإشراف الأستاذ الدكتور: محمود أحمد ميرة، وتقديم المستشار الدكتور علي محمد جريشة. رحمهم الله جميعاً.
التقرير الأول
تابع المحامي الدكتور عبد الله رشوان التحقيق في صحة هذه الوثيقة بالاتصال شخصياً بأصحاب هذا الاجتماع المشار إليه، وأخذ منهم اعترافاً بصحة مدارستهم تلك، ثم وضعهم هذه الوثيقة، ثم عرضها على رئيس الجمهورية، فأقرها، وكلف وزير داخليته في ذلك الوقت -زكريا محي الدين- بتنفيذها، ومتابعتها.
ورد هذا في دفاع عبد الله رشوان، عن شكري مصطفى، في قضية قتل الدكتور الذهبي، نقلاً عن: حسين بن محسن بن علي جابر، الطريق إلى جماعة المسلمين، ط4، دار الوفاء للطباعة والنشر، المنصورة، مصر، 1990م: ص405.
التقرير الثاني
ذكر صاحب كتاب الطريق إلى جماعة المسلمين أن هذا التقرير نشر في مجلة الأمان اللبنانية العدد 13 تاريخ 30 جمادى الأولى 1399هـ، الموافق: 27 أبريل 1979م.
التقرير الثالث
ذكر صاحب كتاب الطريق إلى جماعة المسلمين أنه نشر في عدد من الصحف منها مجلة المجتمع الكويتية في عددها 428 المؤرخ 17 صفر 1399هـ، الموافق 16 يناير 1979م.
قرائن وعلامات
ولا أستبعد أن بعض المحررين في الصحف زاد بعض الكلمات القليلة من باب التوضيح والتأكيد والتفسير، ولكن بعبارات شخصية منحازة أحياناً.
أما أصول التقارير فيغلب على الظن أنها صحيحة ثابتة، وذلك لوجود بعض القرائن القوية المبثوثة في ثنايا الكلام، مثل استدراك خبير الشؤون الإسلامية بالسفارة الأمريكية على الاستهانة بعمر المرشد والمقارنة بعمر الخميني، وأشباه ذلك من المؤشرات التي لا يمكن أن تصدر إلا من الواقع.
التقارير الثلاثة
5 تعليقات
نعم، المدونة ركن هادئ عن ضجيج السوشال ميديا
اهلا بك دكتور عبدالله. قليل تواجدك في المدونة ننتظر المزيد
اهلا بك دكتور عبدالله قليل تواجدك في المدونة
أهلا بك يا شمس، منورة.
ممتاز