الحاكم بعد أن يصل إلى الحكم ويجلس على العرش، ما طريقة خروجه أو إخراجه من هذا المنصب؟ بالطبع، في ثقافتنا الجواب معروف جيداً، لكن حقاً ما الطرق الأخرى المعقولة والمقبولة لانتهاء ولاية الحاكم في الفقه الإسلامي، القديم والمعاصر، وفي الفقه الدستوري؟ هذا ما يجيب عليه الدكتور كايد قرعوش في كتابه السمين الثمين: طرق انتهاء ولاية الحكام في الشريعة الإسلامية والنظم الدستورية المنشور في طبعته الأولى سنة 1987م، وهو في أصله رسالة قدمت لنيل درجة علمية في الدراسات العليا، ويظهر أنها درجة الدكتوراة والله أعلم.
عن كايد قرعوش
د. كايد يوسف محمود قرعوش، أكاديمي أردني، فلسطيني الأصل، من قرية دير بلوط، بقضاء نابلس، في فلسطين المحتلة. انخرط في سلك التعليم من بداية حياته المهنية، واستقر منذ عام 1992م في جامعة العلوم التطبيقية بمدينة عمّان، الأردن، وشغل في هذه الفترة العديد من المناصب فيها، مثل: عميد شؤون الطلبة، وعميد كليلة الآداب والعلوم الإنسانية، وغير ذلك.
بنية كتاب طرق انتهاء ولاية الحكام
بنى الباحث بحثه على بابين سبقهما باب تمهيدي، وقسّم الباب التمهيدي إلى فصلين:
الفصل الأول: تحدث فيه عن أساس مشروعية سلطة الحكام، على مستوى الفكر الإسلامي، والفكر السياسي الوضعي.
الفصل الثاني : تحدث عن شروط رئيس الدولة، وطرق توليته في فرعين مستقلين في الشريعة الإسلامية ثم في النظم الدستورية الوضعية.
أما الباب الأول فقد عالج فيه طرق انتهاء وإنهاء ولاية الحاكم بصورة سلمية، وقد قسمه إلى فصلين:
الفصل الأول: خصصه للحديث في الطرق السلمية لانتهاء وإنهاء ولاية الخليفة في الفكر الإسلامي، وتناول فيه مسائل الاستقالة، والموت، وانتهاء المدة، والعزل على أساس المسؤولية، والعزل لافتقاد بعض الشروط.
الفصل الثاني: تحدث في الطرق السلمية لانتهاء وإنهاء ولاية رئيس الدولة في النظم الدستورية الوضعية في مباحث موازية لتلك في الفكر الإسلامي.
أما الباب الثاني فقد عالج فيه الطرق غير السلمية لإنهاء ولاية رئيس الدولة، وقسمه بدوره إلى فصلين:
الفصل الأول: وهو خاص بالطرق غير السلمية لإنهاء ولاية الخليفة، وفيه تحدث عن الثورة ومقاومة الطغيان من خلال الحديث عن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما تحدث عن البغاة في نهاية الفصل.
الفصل الثاني: خصصه للحديث في الطرق غير السلمية لإنهاء ولاية رئيس الدولة في الفكر السياسي الوضعي، وفيه تحدث عن مباحث مماثلة، حيث غطى الحديث في الثورة ومقاومة الطغيان والانقلاب الفصل بكامله.
والآن لنأخذ بعض المسائل المتفرقة في الكتاب لنستعرض رأي الدكتور قرعوش فيها.
ولاية العهد
اعترض د. كايد قرعوش على ادّعاء الفقهاء انعقاد الإجماع على جواز ولاية العهد، وهم يقيسون فعلة معاوية بصنيع أبي بكر، وشتان بينهما، وذكر مجموعة من الفوارق بين الاستخلاف، كما هو صنيع أبي بكر، وولاية العهد، كما هو صنيع معاوية، كما يلي:
- يُنظر في الاستخلاف إلى مصلحة الأمة، وينظر في ولاية العهد إلى مصلحة أسرة الخليفة.
- يقوم الاستخلاف على التجرد، وتقوم ولاية العهد على المحاباة.
- يقوم الاستخلاف على مبدأ الشورى، إذ لا يعدو أن يكون ترشيحاً، أما ولاية العهد فتقوم على الجبر والاستبداد.
- لم يستخلَف إلا من استكمل الشروط الشرعية. أما في ولاية العهد فقد انحدر الوضع لدرجة أصبح يعهد إلى الصغار، وإلى أولئك الذين كانوا ما زالوا أجنة في بطون أمهاتهم.
ثم عاتب فقهاء المسلمين في تمرير شرعية ولاية العهد في الكتب الفقهية قائلاً: إن فقهاءنا يتحملون الوزر في إفتائهم بجواز ولاية العهد، على النحو الذي عرضوه، سواء كانت ولاية العهد لواحد أو لأكثر، وكانت أقوالهم في هذه النقطة تبريراً للأمر الواقع بلا مراء.
الحاكم المتغلب
اعترض على شرعنة تولي السلطة بالقهر والاستيلاء بعد سوق الآراء الفقهية، قائلاً: إن فقهاءنا -إذ أجازوا إمامة التغلب اتقاءً للفتنة- قد هيأوا الأجواء لمزيد من الفتن، وقد كان باب الفتنة الأول هو الخروج عل شرع الله الآمر بالشورى، التي لم يصخ لها المتغلبون سمعاً، ولم يلقوا لها بالاً، فأعقب ذلك وبالاً على الأمة وتمزقاً بلا حدود.
في مسألة انتهاء مدة الخليفة في الحكم، هل يجوز التأقيت أم لابد من الاستمرار في المنصب مدى الحياة؟ يرى الدكتور كايد قرعوش أن ليس في الشرع ما يمنع من تحديد مدة، لأن هذه المسألة الفرعية من القضايا الاجتهادية التي يترك للأمة فيها تقرير ما تراه أنسب وفقاً لظروفها الخاصة.
الشورى
في مسألة: هل الشورى معلمة أم ملزمة، رجح كونها ملزمة ورد بضراوة على الرأي الثاني، خصوصاً في القرون المتأخرة، وعد ذلك من تحريف كلام الله والاشتراء بآيات الله ثمناً قليلاً، لقاء منصب دنيوي أو متاع زهيد زائل.
تعدد الأئمة
عدّ الوحدة وعدم التعدد شرطاً من شروط الخليفة، وقال: “وحدة الأمة الإسلامية تستلزم وحدة الإمامة، إلا أن الناظر لواقع أمتنا الإسلامية في وقتنا الراهن يروعه هذا الحشد الهائل من الدول المستقلة، ولكل دولة رئيسها، ومن عجب أن شعار الوحدة يمثل قاسماً مشتركاً أعظم بين هذه الدول، في الوقت الذي تحرص كل دولة على الاحتفال بعيد استقلالها، وكأنما تم هذا الاستقلال عن الأجنبي، وهو في واقعه ليس بأكثر من استقلال عن جسم الوطن الإسلامي الكبير. وفوق ذلك، فإن كل شعب في كل إقليم له السيادة على تلك الرقعة من الأرض، بشكل يتناقض مع مبدأ السيادة في الإسلام وهذا باطل آخر يضاف إلى باطل”.
وبعد أن عرض الآراء الفقهية المختلفة حول مسألة الخروج على أئمة الجور، هل الخارجون بغاة أم لا؟ قال: “ولكن ما حكم ما إذا لم يكن هنالك إمام واحد للمسلمين، وكان هنالك حكام متغلبون -كما يُشاهد في أيامنا- هل يعتبر الخروج عليهم بغياً؟ ما نحن -إذ كنا رجحنا مبدأ عدم تعدد الولاة والأئمة- لا نعتبر الخارجين بغاة إذا كانوا يتجهون لإقامة شرع الله وتحقيق العدل. أما إذا كانوا طلاب دنيا وسلطة، فذلك قمين بأن ينسلخ عليهم وصف البغي. ومع ذلك، فإننا نرى نصرة الطرف الخارج إذا كان أعدل، خلافاً لمن ذهب من الفقهاء إلى المناداة باعتزال الفريقين”.
الثورة
يرى الدكتور كايد قرعوش أنه عندما جاء دين الإسلام جاء على شكل ثورة شاملة على الواقع في معظم مجالاته، المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي، وغير ذلك، واستشهد ببعض ما قاله سيد قطب في كتابه معالم في الطريق عن أن شعار لا إله إلا الله يحمل في طياته معنى: الثورة على السلطان الأرضي الذي يغتصب أولى خصائص الألوهية، والثورة على الأوضاع التي تقوم على قاعدة من هذا الاغتصاب، ورد الأمر كله لله.
أما في الثورة كوسيلة لإنهاء حكم الحكام، فقد استعرض المؤلف معظم أجزاء مسائل الثورة، بدءاً من الاختلاف في مفهومها، ووسائلها، وصورها، ثم عرّج على الثورة المضادة والتباسها بالثورة الحقيقية، ثم تناول مسألة العنف واقترانه بالثورات عادة، وهل يمكن أن تسلم ثورة شعبية من العنف؟ وما حكم مقابلة العنف بالعنف؟ ثم وصل إلى المقارنة بين الثورة الفجائية والنهج الإصلاحي التدريجي المسالم، مستعرضاً آراء العلماء وأرباب السياسة، مرجحاً هذا الرأي مرة وذاك الرأي أخرى، إلى أن قال:
” ومع مباركة الحكام لمنهج الإصلاح، وتحبيذهم إياه دون منهج الثورة، فإننا نلاحظ أحياناً أن أصحاب الامتيازات داخل هذا النظام، يرفضون إجراء الإصلاحات المطلوبة، وبهذا فإنهم يهيئون الظروف -دون قصد منهم- لثورة شعبية تكتسح امتيازاتهم مع ما تكتسح من القائمين على الجهاز السياسي الذي يحميهم”.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
بصفة هذه الشعيرة وسيلة لمجابهة أنظمة الطغيان والجور، فإن قرعوش يرى في البداية أن حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض لابد من القيام به، وهو واجب على الأعيان لا على الكفاية، واعترض على تخصيص إنكار المنكر حسب نوعه: الإنكار باليد خاص بالملوك والأمراء، والإنكار باللسان خاص بالعلماء، والإنكار بالقلب لمن ليس من هؤلاء. وعزز رأيه بقوله: “هؤلاء يخلطون بين النهي عن المنكر وتغيير المنكر، وهذا شيء آخر غير النهي البتة، فإن النهي عن الشيء إنما يكون قبل فعله، وإلا كان رفعاً للواقع، أو تحصيلاً للحاصل. ثم قال: والظاهر أن هذا التصنيف محمول على الأعم الأغلب، إذ التغيير باليد شأن الأمراء، وباللسان شأن العلماء، فكل من يقدر على التغيير باليد ملحق بالأمراء، فكذا الأخيران.
مقاطعة الحكام الظلمة
أشار إلى أن اعتزال الناس الحكام الظلمة ومقاطعتهم في ما يقدمونه من مناصب أو هبات، صورة من صور (المقاومة السلمية) أو الإنكار القلبي الذي ورد في الحديث.
وعن حكم تلك الهبات فقال: ” أما بالنسبة لأخذ الأموال من الحكام الظلمة في شكل هبات، أو مكافآت، فقد قضى الغزالي بعدم جوازها؛ ذلك أن أموال السلاطين في عصره -وهكذا العصور التالية- حرام كلها أو أكثرها”. ونقل قول الإمام الغزالي “الحكام لا يسمحون بعطية إلا لمن طمعوا في استخدامهم، والتكثر بهم، والاستعانة بهم على أغراضهم، والتجمل بغشيان مجالسهم، وتكليفهم المواظبة على الدعاء والثناء والتزكية والإطراء في حضورهم ومغيبهم. فلو لم يذل الآخذ نفسه بالسؤال أولاً، وبالتردد في الخدمة ثانياً، وبالثناء والدعاء ثالثاً، وبالمساعدة له على أغراضه عند الاستعانة رابعاً، وبتكثير جمعه في مجلسه وموكبه خامساً، وبإظهار الحب والموالاة والمناصرة له على أعدائه سادساً، وبالستر على ظلمه ومقابحه ومساوي أعماله سابعاً، لم ينعم عليه بدرهم واحد”. الغزالي، أحياء علوم الدين: 2/139.
الزبدة
جاء الكتاب في قرابة 700 صفحة، لذا من المستحيل أن أستطيع الإحاطة بمادته في هذا الملخص المختصر ، إلا أني حاولت أن أذكر بعض المسائل المهمة واللافتة، وما يزال في الكتاب الكثير من الفوائد، وقد انتهيت من تأليف كتاب بعنوان: الجماعات الإسلامية المعاصرة، تطرقت فيه للكثير من القضايا الواردة في كتاب طرق انتهاء ولاية الحكام، لكن للأسف لم أكن قد قرأته بعد.
1 تعليق
ملخص مركز يا استاذ عبد الله.. شكر موصول !