بعد اندلاع ثورات الربيع العربي على الأنظمة القمعية المستبدة، أصبحنا نسمع بكثرة هذه العبارة، ومن أشخاص مختلفين: الشعوب العربية ليس جاهزة للديمقراطية والحرية، وأكثر من يفرح بهذه العبارة البائسة هم الحكام الطغاة، ويدعمون انتشارها على أوسع نطاق.
الديمقراطية باختصار هي حكم الشعب لنفسه من خلال وسائل متفق عليها، لاختيار شخص يرأس النظام الذي يضبط ويسيّر شؤون الحياة المختلفة.
إذن، الديمقراطية طريقة متعلقة باختيار الشعب للحاكم، لا بالأفكار التي تحكمه، فقد تكون الأفكار والقناعات والمبادئ التي تحكمه، دينية أو علمانية أو مادية أو أي شيء.
ويقابل الديمقراطية الاستبداد بالحكم، حتى لو كان ذلك في حكم يدعى الخلافة الإسلامية.
لذا فمحاربة بعض الإسلاميين للديمقراطية بحجة أنها تحادّ حكم الشريعة الإسلامية، مسألة تحتاج إلى إعادة نظر تأصيلي.
نظام تولية الحاكم في الإسلام يرتكز على الديمقراطية، حيث الشورى واختيار الأمة والتراضي والبيعة، وهذا ما جرى عليه الأمر في عصر الخلافة الراشدة، أما اختطاف الحكم والاستبداد به وتوريثه، فهي أمور جدّت في التاريخ الإسلامي بعد ذلك، وليست من الشريعة الإسلامية في شيء، واجتهد فيها الفقهاء حسب الضرورة، ثم اتخذت هذه الاجتهادات الطارئة دعائم للاستبداد في الفقه السياسي الإسلامي.
أما الاحتمال الذي يُطرح كثيراً عند القول بمصادمة الديمقراطية للشريعة، وهو احتمال أن يتفق أكثرية الشعب على شرعنة أمر محرم في الشريعة، فهذا مجاله ليس الديمقراطية وآلية الحكم، بل مجاله البحث في حقيقة الانتساب للإسلام، فجماعة المسلمين التي يتفق أكثر أفرادها على إباحة أمر محرم تحتاج إلى دعوة إسلامية من جديد، لا تسلط بالقوة، وإرغام بالأحكام الإسلامية، خصوصاً في حال الضعف التي يعيشها المسلمون اليوم.
وإذا استبعدنا نظرية المؤامرة في طرح مثل هذه الاعتراضات على الديمقراطية لإبقاء البلدان العربية تحت سطوة الاستبداد، فإن أكثر ما يطرح في هذا الموضوع لا يتجاوز كونه مجرد لجاج أيديولوجي يبحث فيه المجادل عن الانتصار الذاتي فقط، وقد تطرقت إلى شيء منه في تدوينة الإسلام والليبرالية وخصومة الأيديولوجيا.
ثم يأتي الحكام المستبدون وينصرون هذا الرأي، ويحذرون من الديمقراطية لأنها تناقض الشريعة، وهم في الغالب أبعد الناس عن حكم الشريعة، ثم مؤخراً غيروا النغمة من مصادمة الديمقراطية للإسلام إلى مقولة: الشعوب العربية ليست جاهزة للديمقراطية ويزيد بعضهم: ولا تستحقها!
أولاً ليس هناك مرحلة معينة للنضج السياسي، يمكن الحكم عندها بأن الشعب الفلاني جاهز للديمقراطية والآخر غير جاهز، والديمقراطية أو الحرية لا بد أن تمارس كي يتحقق معناها، لا أن يحكم عليها من الخارج.
فحمل الأم لطفلها ذي الثلاث سنوات ومنعه من المشي خشية أن يقع تصرف غير عقلاني، ولا بد للطفل أن يمشي وأن يقع حتى يتقن المشي، وذو الثلاث سنوات أصبحت لديه قدرة طبيعية على المشي، وكذا الديمقراطية.
أما لماذا الطفل العربي ذو الثلاثين سنة ممنوع من المشي، وإذا مشى خطوتين وقع، فلهذا سبب رئيس وأسباب فرعية كثيرة، والسبب الرئيس هو حرمان الطفل العربي من ممارسة المشي، فمن الذي يمنعه؟
ستطرح بالطبع أجوبة كثيرة مختلفة، بعضها بهدف التشتيت، من ذلك، الجهل، القبلية، التطرف، الذنوب، عدم اتباع المنهج السلفي، الإسلام السياسي، الإخوان المسلمين، عبدالله السالم، وهكذا.
وسيترك السبب الرئيس القابع بخفاء خلف معظم المشاكل التي نعاني منها في الدول العربية والإسلامية، وهو الأنظمة المستبدة المدعومة من الغرب.
دوما تتهم الشعوب العربية أنها سبب التخلف والفشل والضعف والتناحر والتشدد والجهل والعنصرية، وتعفى الأنظمة المستبدة من المسؤولية، ومثال ذلك:
سيارة مغرزة في الرمال، وأتينا بسائق يشغلها ويحركها للأمام ونحن ندفعها من الخلف لتخرج، لكن السائق يدوس الفرامل بدلاً من دواسة البنزين، ويلفّ العجلات لتغوص أكثر في الرمال، وربما يرجع للخلف ونحن ندفع للأمام، لن تخرج السيارة بالطبع. وليس السبب ضعف من يدفعها وكسلهم. الغرب هم من وضعوا السائق المتواطئ خلف المقود، كيلا تخرج السيارة.
ووضعنا الراهن، بكل مشاكله وإخفاقاته وأخطائه، هو نتيجة لغياب الديمقراطية وليس سبباً له.
دوماً يتوقف المروّجون لهذه المقولة البائسة عند عرضها، الشعوب العربية ليست جاهزة للديمقراطية ثم نقطة آخر السطر.
حسناً، ماذا نفعل بعد تشخيص المرض أيها الطبيب؟ ويسكت الطبيب وعينه على رجل الأمن المعضل الواقف على الباب.
إذا كانت الشعوب العربية ليست جاهزة للديمقراطية فيجب أن نجهزها، يجب أن نعمل على ذلك، ندعو إلى ذلك، نتحمل الأذى في سبيل ذلك، نقدّم التضحيات، نطالب بالشورى والمؤسسات المدنية ثم الملكية الدستورية، إلى أن نصل إلى الديمقراطية الكاملة.
لا أن ننظر إلى الدول الديمقراطية التي تحكم نفسها بنفسها بإعجاب، مثل أمريكا، فإذا وصل الأمر إلى دولنا وشعوبنا، قلنا: لا، حمّود صغير باسم الله عليه، لم يتجاوز الثلاثين سنة، لا يعرف المشي، و.. الشعوب العربية ليست جاهزة للديمقراطية والحرية، وعليها أن تبقى كذلك.
ويذهب البعض لأبعد من ذلك فيقول: إن طبيعة الشعوب العربية أو الخليجية تحديداً لا ترتضي سوى نظام الحكم الملكي الوراثي، لأن نظام مشيخة القبيلة متجذر في الوجدان العربي.
وهذا كلام ساقط لا أساس له، يناسب ما يصفه لابوسييه 1530م في كتابه العبودية المختارة، عن استعداد البعض لأن يكون عبداً باختياره.
وعد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير قطر آنذاك، في عام 2004 بمجلس شورى منتخب في المستقبل، وفي 2008 تبنى مجلس الشورى المعين قانوناً يفتح الباب أمام إجراء انتخابات تشريعية جزئية، بحيث يتم انتخاب ثلثي أعضاء المجلس، ويقوم الأمير بتعيين الثلث الباقي. ثم صرح الأمير أن مجلس الشورى سيكون في 2013.
ومؤخراً وعد الأمير الحالي الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، بمجلس شورى منتخب بالكلية، في أكتوبر 2021.
هذه كلها خطوات إلى حلم الديمقراطية، وإن كانت خطوات بطيئة، إلا أنها أفضل من الوقوف في نفس المكان لسنين طويلة.
ويجب أن نتوقع من الآن، قياساً على كل تجربة ديمقراطية، أنه سيكون هناك أشخاص يستغلون منافذ الديمقراطية والحرية لمصلحتهم الشخصية، وضد أهداف الديمقراطية والحرية.
2 تعليقات
اولا قطيره هده اصغر البلدان ف المنطقه كلها تملك اموالا ولكن لا تتمكتلكمن يديرها ولا تتمتلك شعب متعلم بلد حديت النشاء كان ف وقت قريب شعبه يعيش على رعي الابل ف الصحارى المقفره بدو المهم عندما ظهر الاعلام وجد الحاكم القطرى لمفسه وف يديه مال ولكن لا احد يعرفه ليس له وزن ولا يدرى به احد ف العالم الا من يشترى منهم مايليع لهم نفط وياخد ف مكبتجولعاب وغيره لا بملك عقول متل مصر فاو المال الدى عندى قطر ملك مصر لكان الحال غير الحال ولمشكله البحت عن الشهره حتى على حساب سحق الغير وتدميرهم تدميراى دوله مهم انا يبقى لى حساب ويسمعو بيا العالم وعملولى حسلب كيف عندى فلوس وماحد عاملى حساب خلة ندمر هدا لى نقدر نعمله الدفع ندفع للغير وهو يدمر وانا اشتهر ولو مسنا الربيع العربي نحن قطيره يتحول الى خريف الاموال التى تدفع ف سبيل تدمير العرب اعطوها للغرب كهدايه على الاقل بدون حروب وقتل للغير وتشريد
مرحبا استاذ عبدالله
https://twitter.com/wosom/status/986365695423377411?s=21
الكتاب عذا عندك؟ ممكن نستعيره منك