الإسلام والليبرالية وخصومة الأيديلوجيا

الإسلام والليبرالية

حوار متكرر بين إسلامي وليبرالي

يقول الداعية الإسلامي أو خطيب الجمعة أو أستاذ الشريعة هذه العبارة: الإسلام جاء لإصلاح الدين والدنيا، وهذا هو الفرق بين الإسلام والليبرالية التي جاءت لإصلاح الدنيا فقط.

أو يقول: الإسلام قادر على إصلاح الدين والدنيا، وهذا هو الفرق بين الإسلام والليبرالية القادرة على إصلاح الدنيا فقط.

فيقفز في وجهه المسلم الليبرالي أو العلماني أو أي مفكر آخر شرط كونه مؤمنا بالإسلام ويقول:

هذا خطأ أو تشدد أو استغلال للدين، والإسلام لا مدخل له في شؤون الحياة وسير أمور الناس اليومية إلا في مواطن قليلة، أما الباقي فهو متروك لتقدير الناس وأعرافهم وثقافتهم وحرياتهم الشخصية بدون تدخل ديني. وتبدأ الخصومة – كما يشاع – بين الإسلام والليبرالية .

وهذا الخلاف خلاف قديم بين الفريقين المسمين بالإسلاميين والعلمانيين أو الليبراليين من داخل الإسلام، أي بين الأشخاص المنتسبين لكل تيار لا بين الإسلام والليبرالية في الحقيقة.

مشجعو مباراة الإسلام والليبرالية

كثيرا ما ينتسب لأحد الفريقين أقوام لا همّ لهم بالبحث ولا الفكر ولا الحقيقة، وعادة هم من يشعلون فتيل الخلاف بين عقلاء الفريقين.

هؤلاء قد يكونون أخذوا الانتماء بالوراثة أو التشرب الأيديولوجي أو الولاءات الوهمية، وبالتالي يشعر أحدهم أن كونه إسلامياً أو ليبراليا جزء من هويته وشخصيته ويجب أن يدافع عن ذلك من خلال الانقضاض على الخصوم بلا هوادة.

وقد يكونون أشخاصاً همهم فقط إغاظة الخصم و ” الطقطقة ” عليه تماما كما يكرر مشجع الهلال السعودي كلمة جحفلي جحفلي لإغاظة مشجعا نصراويا، وهذا مرض منتشر في كثير من المنتسبين للفريقين.

الفريق الإسلامي

بعض المنتسبين للفريق الإسلامي من العوام يؤمنون بجدوى عبارة الداعية الإسلامي السابقة بحرفية مطلقة، أي أنه بمجرد التزام المسلمين بالهيئة الإسلامية الظاهرية المعروفة من أهل الدين، اللحية واللباس القصير والسواك وفعل العبادات والانتماء للفريق الإسلامي ونحو ذلك، فإن هذا كفيل بصلاح الدنيا بدءا من الترقي في الوظيفة والنجاح في شؤون الحياة بل والنجاح في التجارة، وانتهاء بتنمية المجتمع وتطوره وتقدم الأمة وقوتها، دون الحاجة للعمل بأسباب الدنيا، كالتعلم والتخصص والعمل والإنتاجية.

وهذا بالطبع تسطيح لمفهوم الدين وعبث بأمور الدنيا.

الفريق الليبرالي

كما أن بعض المنتسبين للفريق الليبرالي أو العلماني يسقطون تماماً أثر التدين الحقيقي على الفرد من بركة وتوفيق وضبط للأخلاق ومراقبة لله في العمل، وبقية هذه الصفات التي يتمنى كل رئيس توفرها في موظفيه، وبالتالي فهم يخرجون الدين مطلقا عن أسباب النجاح والتفوق في الدنيا. وهذا أيضا خلل في استيعاب كل أسباب النجاح.

خلاف لفظي

أما لو كان الإسلامي مدركا أن للنجاح الدنيوي أسبابا دنيوية بحتة وعبارته السابقة بقصد أن الدين يدعو إلى تفوق الأمة بتفوق أفرادها من خلال الأخذ بالأسباب الدنيوية، وأيضا بقصد أن الدين إن زاد من نجاح العمل الدنيوي وإلا فلن ينقصه، وكان العلماني أو الليبرالي المسلم يؤمن بهذا أيضا، فأين الخلاف بين الإسلام والليبرالية على المستوى العملي في أرض الواقع؟

إنه خلاف لفظي نتيجة للاختلاف في الأيديولجا فقط وإلا فالعمل واحد، كمن يصل للنقطة ج عن طريق النقطة أ والآخر يصلها عن طريق النقطة ب.

الأسباب الدنيوية في الإسلام والليبرالية

عندما أقول الأخذ بالأسباب الدنيوية فالمقصود في شؤون الحياة عامة، الحكم والدولة والسياسة والتعليم والصحة والسياحة والمواصلات والتجارة والبيئة والمعيشة والمواطنة والوطنية والحقوق والحريات وكل ما يجد من شؤون الحياة.

ويكفي الدولة المسلمة كي تتجنب الصدام مع الدين في كل هذا أن يكون في الدستور مادة توضح أن دين الدولة الإسلام وعلى القوانين أن تتماشى مع الأحكام الثابتة فيه، وبهذا لن تُحلل المحرمات الثابتة باسم حرية الحياة.

أما آلية التنظيم السياسي والاقتصاد الدولي والسياسة الخارجية، وكذلك آلية التطور والتقدم العلمي والصناعي والسمو الأخلاقي والتنمية المجتمعية والثقافية، وكذا التفضيلات الشخصية للأفراد والجماعات في مسائلهم الدينية والمذهبية والفكرية والأدبية والعرفية فمتروكة لاجتهادات البشر.

ومثال ذلك: أن صناعة السيارة لا تتطلب وجود الدين، وكذا قيادتها وبيعها، ما علاقة الدين في هذا؟

حدود الدين والدنيا

معظم الدول الإسلامية على إسلاميتها تقع في آخر الركب الحضاري في ما يخص شؤون الحياة، ودول أخرى لا تدين بالإسلام مثل أمريكا وألمانيا والصين واليابان في مقدمة الركب على مستوى التفوق الصناعي والعسكري والأدبي والعلمي، وفيما يتعلق بتطبيق القوانين ونزاهة القضاء وضمان حقوق الأفراد والأقليات والثقافات.

هل هؤلاء في الجنة أم في النار؟ هذا شأن ديني بحت يحاسبهم عليه الله، أما لماذا تفوقوا علينا نحن المسلمين رغم كفرهم وإسلامنا؟ فهذا لأن لصلاح الدنيا أسباب أخرى لا يكفي فيها أن يرفع المرء أو الدولة شعار الإسلام، والإسلام هو الحل، والإسلام صلاح للدين والدنيا.

قال تعالى: (وأعدوا لهم من قوة) – سورة الأنفال:60.

الإعداد لا يأتي بالشعارات المجوفة والتواكل على قدرة الله، بل بالتفكير والتخطيط والعمل والتنفيذ الصحيح من خلال استعمال وسائل النجاح في الدين والدنيا معاً.

د. عبدالله السالم
د. عبدالله السالم
شاعر ناقد مدون من قطر

اترك لي أثرك