جناية الفراهيدي مؤسس علم العروض في الشعر - مدونة وسوم

جناية الفراهيدي

جناية الفراهيدي

ألاحظ هذه الأيام وفرة تصل لحد الغثاء في استعمال هذا العلم (النافل) عن حاجة الشعر،  جناية الفراهيدي علم العروض، ولو أني أمير المؤمنين في عصر الخليل بن أحمد الفراهيدي لحبسته وأحرقت كتبه فهو قد فتح بابا مزيفا لطفيلييْ الشعر.

ولقد مات ميتة شنيعة – رحمه الله – حيث اصطدم رأسه بعامود وهو ساهٍ يردد بعض العروض، وأرجو أن يكون ذلك (تخافيف ذنوب).

الشعر: موهبة؛ لا مراء في ذلك.

والموهبة حظوة إلهية تعطى البعض دون الآخر، مثل الحاسة السادسة والفراسة والرؤيا وكل مامن شأنه التفرد والخصوصية.

إنه لا يشبه قيادة السيارات ولعب الكرة و “حرفنة البلوت”، هذه الأشياء تتأتى بالاكتساب، فالشخص يتعلم السواقة من العدم، يبدأ بدربكة شهيرة على الدواسات وشيئا فشيئا يتقن السلاسة في تحريك رجليه وقد يصبح بعد ذلك سائقا مميزا يحصد الجوائز في السباقات العالمية.

أما الشعر وأقصد هنا نواة الشعر الأولى والتي تكتفي فقط بإتقان الموسيقى في الجملة الشعرية، لا، لسنا بصدد تعريف الشعر الجميل ولا الشعر المختلف، فقط الشعر الأساس: ضبط الوزن، فهذا أمر لا يدخله الاكتساب أبدا، وقد يتقنه العروضي المتمرس أو حتى البدوي على ظهر بعيره.

والتاريخ يؤكد ذلك، فكل المعلقات الشهيرة ولدت قبل مجيء الفراهيدي إلى العالم، وكذا كل الشعر الجاهلي الموغل جدا في مسألة الوزن.

وقد أثار حنقي تصريح أحد الشعراء الشعبيين في لقاء تلفزيوني أن الشعر ليس بمعجزة، وعندما خالفه المذيع بأن الشعر موهبة، قال لا، الشاعر أساسا قاريء متذوق لكنه مع المحاولة والتجريب وحفظ أسماء البحور الشعرية يتحول إلى شاعر، أية جريمة بحق الشعر هذه؟

لذا عندما أرى أحد المستشعرين لا يزال يخطيء في الإملاء واللغة لكنه يغرق في التقطيع العروضي لقصيدة ما، أشعر بريبة حادة تجاهه.

ماذا سيضيف لنا التقطيع العروضي والتركيز عليه بعيدا عن دراسته أكاديميا ضمن منهج متكامل؟

إن الشاعر الحقيقي لا يحتاج إلى دعم قانوني لشرعية قصيدته عروضيا، ولا يفعل ذلك إلا من به مس من شك.

اخترِع التقطيع العروضي في الأصل كمحاولة إغراقية في بحث الشعر كجنس أدبي، مثله مثل أي إغراق في تفاريع مسألة ما، مثل بحث العلاقة بين المؤلف الحقيقي والمؤلف الضمني في الرواية، فلسفة الحب عند فرويد، تفسير ظاهرة كسوف الشمس، أية نظريات أخرى تحاول تفسير الظواهر الكونية أو الفكرية، لكنه أي: التقطيع العروضي لا يضيف شيئا أبدا، فالشاعر لا يحتاج إليه ومن ليس بشاعر لا يستفيد منه ليصبح شاعرا.

ودار في خلدي في ساعة لؤم أن البعض قد يلجأ إلى دراسة العروض لشهرين عند أحد الموريتانيين وهو يضمر استخدام ذلك فقط للاستعراض وإبهار الجمهور، وكورقة قانونية عند الخلافات.

ومثل ذلك الاهتمام الزائد هذه الأيام بأسماء البحور الشعرية وحفظها!

أيضا لا يحتاج الشاعر كي يكتب قصيدة جميلة يتناسب بحرها مع موضوعها إلى كل هذه العلوم، فالشاعر ينطلق أساسا من وجدانه، والوجدان هو الذي يحتم عليه بناء قصيدته على هذا البحر أو ذاك، مثله مثل اللحن الموسيقي للأغنية، فالأغنية التي يكرر مغنيها عبارة : (أنا بكره اسرائيل) تحتم إيقاعا سريعا وشوارعيا على خلاف الأغنية التي تبدأ بـ: (أنا وإنتا ظلمنا الحب).

كذا القصيدة، فالشاعر يجد إلحاحا داخليا لاختيار بحرٍ معينٍ عندما يكتب بحزن يختلف عن الإلحاح الذي يجده عندما يكتب بفخر أو سخرية أو روح سياسية ثورية.

ولو أمعنا النظر جيدا لو وجدنا أن هذا الاحتياج الداخلي لركوب موجة عروضية معينة يمتد إلى أكثر من ذلك، فالمفردات تتغير من موضوع لآخر، وكذا الصور، وحتى الأحرف ورنينها الصوتي، ويتم معظم ذلك في لا وعي الشاعر، لكن المحترفين فقط هم من يعيدون الصياغة والحذف والإضافة في هذه العناصر الداخلية لمكونات القصيدة.

خلاصة الموضوع :
رفقا بنا أيها النقاد الجدد، ولتبقوا هذه المعارف الكمالية في موضعها الطبيعي (الترف العلمي) ولا تجروها إلى جدليات التكوين والعدم، فالإسهاب فيها واستعمالها في أبعد مما خصصت له مضر بالصحة الأدبية وجناية على الشعر، جناية الفراهيدي .

للاستزادة في موضوع الوزن والعروض الاطلاع على كتاب عيوب الشعر.
د. عبدالله السالم
د. عبدالله السالم
شاعر ناقد مدون من قطر

اترك لي أثرك