ضعف الحراك الثقافي في قطر
هل لدينا مشكلةٌ في الحراك الثقافي في قطر؟ هذا ما توجّهتُ به للمتابعين الكرام في تويتر من خلال استبيانٍ مصغّر يستطلع آراءهم، وكانت النتيجة مخيفة، فما نسبته 71% من مجموع 624 شخصًا يرون أنه نعم لدينا مشكلة في الحراك الثقافي في قطر، وهو أقل بكثير منه في دول الجوار.
وبما أن لدينا في قطر الإمكانيات المادية والتشريعية والمؤسساتية والتوجه الحكومي للتفوق، فما المشكلة؟ أو بالأصح ما أسباب هذه المشكلة؟
أسباب ضعف الحراك الثقافي في قطر
قمت باستبيان آخر تفصيلي عن أسباب تدنّي الحراك الثقافي في قطر، ونال سبب “قلّة المبدعين” حصة الأسد حسب رأي القراء..
مع العلم أنني أهملت احتساب بعض الأسباب المؤثرة بلا شك في هذه المشكلة، ولكن لأنه من الصعب أو المستحيل معالجتها، ومنها:
الأسباب الطبيعية
وهي الأسباب الخارجة عن القدرة البشرية مثل سبب قلة السكان في قطر نسبةً إلى دول الجوار، فليس من العدل أن تقايس بين بلد عدد سكانه 2 مليون مثل قطر وبلد عدد سكانه 30 مليونًا مثل السعودية، وكذا الأقدميّة الثقافية كما في البحرين والكويت.
البيروقراطية والفساد الإداري
وهذه أسباب تشترك فيها قطر مع بقية دول الجوار بنسب مختلفة، بل تشترك فيها دول العالم أجمع، البيروقراطية بحكم التوسع والتخصص والتدرج الذي بلغه العالم، والفساد الإداري نتيجةً لشيوع الثقافة المادية والفردية وانتشار فيروس النفعية المادية في مفهوم النجاح في عصرنا.
حدود حرية الفكر عند المثقف الخليجي
هناك أزمة لدى المثقف الخليجي والعربي بشكل عام مع كثيرٍ من المفاهيم الثقافية الأساسية لأسباب سياسية أو دينية، منها: مفهوم الوطنية والمواطنة والحقوق والحريات، وغير ذلك.
مستوى الرفاه المعيشي العالي في قطر
فكما هو معروف أنه من رحم المعاناة يولد الإبداع، ولكن عند تخيير الناس بين أن يعيشوا حياةً كريمةً وبين أن يبدعوا قصائد جميلة أو رسمات مبهرة، فإنهم بالتأكيد سيختارون الحياة الكريمة وليذهب الإبداع إلى الجحيم.
وهذا ما تراه الكاتبة والطبيبة السعودية الهنوف الدغيشم السبب الرئيسي في كسل الحراك الثقافي في قطر.
نتائج الاستبيان
حصل خيار “قلة المبدعين” في قطر على أعلى تصويت وهو 40%، وحصل خيار “الرموز الثقافية في قطر” على أقل تصويت وهو 18%.
ولأن التصويت حصل في بيئة مفتوحة مثل تويتر فماذا يعني قول المصوت السعودي والكويتي والمصري والتونسي أن السبب فيما يراه هو قلة المبدعين القطريين؟
إنه بهذا يعني أنه في بلده، السعودية والكويت ومصر وتونس وحتى في المؤتمرات والملتقيات الثقافيّة خارج بلده لم يسمع كثيرًا بالمبدع القطري، أي أن المشكلة هنا مشكلة إعلام، حيث لم ينجح الإعلام الثقافي في إيصال المبدع القطري إلى الجمهور، وهذا ما أشار إليه الروائي والأديب السعودي عواض العصيمي حيث قال:
وإن وصل المشارك القطري للجمهور السعودي والكويتي والمصري والتونسي فإنه للأسف مشاركٌ غير مبدع، ولا يتلهف المتلقي في تلك البلدان لانتظاره والاستماع إليه، وهذا ما نصّت عليه الشاعرة الكويتية دلال البارود، حيث قالت:
فما الذي يعنيه قلّة عدد المبدعين القطريين حسب رأي الإخوة في دول الجوار؟
أنه يعود بنا إلى سبب خفي لا يعرفونه، وليس لهم إلا الظاهر وهو قلة المبدعين القطريين الذين وصلوا إليهم، وهذا السبب هو ما نال أقل الأصوات، إذ لا يعرفه إلا أصحاب الشأن، وهم المبدعون والمشتغلون بقضايا الإبداع في قطر.
إن السبب الحقيقي للأسف هو رموز الثقافة في قطر.
وهذا ما ذكرته الإعلامية والكاتبة القطرية ريم الحرمي، حيث قالت:
رموز الثقافة في قطر
هذه هي مشكلتنا الحقيقية في الثقافة القطرية، تسلُّط مجموعة من الأشخاص المحسوبين على الثقافة على الحراك الثقافي في قطر، واختزال أي نشاط ثقافي فيهم، فيما هم مجموعةٌ قليلة من الأشخاص الذين جربناهم ثقافيًّا وجربهم العالم كله، وليس لدى الواحد منهم من الرصيد الثقافي إلا حفنة من الإنتاج المتوسط إبداعيًّا على أحسن تقدير، مجموعة قصصية، رواية، ديوان شعر، مقالات في الصحف، تغطيات إعلامية عن سوق السمك، إلخ.
وبالتالي حين يكون هناك فعالية ثقافيّة خارجية، في السعودية أو الكويت أو مصر أو تونس، فإنهم من خلال مواقعهم الإدارية يرشحون أنفسهم للمشاركة بهذه الفعالية، فإن لم يحدث فإنهم يرشحون نفس الأشخاص الذين يرشحونهم منذ عشرين سنة، وهم أيضًا أشخاص رصيدهم الثقافي حفنة من الإنتاج المتوسط إبداعيًّا على أحسن تقدير، وبعضهم للأسف بمستوى الضعيف والرديء، فأين المبدع القطري؟ إنه غير موجود عند دلال البارود وعواض العصيمي والبقية.
وكي لا تكون هذه المقالة مسكّنًا ثقافيًّا للاستهلاك المؤقت يجب أن نكون أكثر شفافيةً ودقةً لحل هذه المشكلة، وأول مراحل الشفافية والدقة هو تسمية هؤلاء الرموز الثقافية الجاثمة على صدر الحراك الثقافي في قطر وبكل وضوح، لذا أقول بعد حمد الله والثناء عليه، سجلوا عندكم هذه الأسماء:
1-
2-
3-
لا، بلاش أسماء الآن في مقالة هدفها الأول تحسين وإصلاح الحراك الثقافي في قطر لا تصفية الحسابات وكسب العداوات، ومع ذلك يجب أن نكون أكثر شفافيةً ودقةً في تحديد هذه الرموز الثقافية الجاثمة على صدر الحراك الثقافي في قطر، لذا سنتجه للأوصاف.
كل واحد منكم يستعيد الأسماء الثقافية التي ترعرع وهو يسمع بها أو يراها في الصحف والفعاليات الثقافية، الشاعرة الفلانية، القاص الفلاني، رئيس قسم الصفحة الثقافية في صحيفة كذا، رئيس تحرير المجلة الثقافية الفلانية، رئيس مجلس الإدارة في الجائزة الثقافية الفلانية، مدير الثقافة والمستشار الثقافي في قطاع أو وزارة، وهكذا.
السبب الخفي لضعف الحراك الثقافي في قطر
هذه الرموز النصف ثقافية (أو نصف الثقافية) هي السبب الرئيس في تأخر وكسل الحراك الثقافي في قطر، وكي نحل المشكلة يجب أولًا تكريمهم ومكافأتهم على سنوات العمل الطويلة جدًّا، ومن ثم تنحيتهم عن مواقع القرار والترشيح، وإتاحة الفرصة لدماء جديدة تتصف فعليًّا بالإبداع والتميز، فإن لم نجد فلنجرب عملية صناعة المبدع.
لا أظنني بحاجة للتنويه هنا أن عبارتي السابقة ليست مطلقة وعامة، لعلمي أنكم تتفقون معي أن الكلام عن الأغلب والسائد فقط، وإلا فهناك أسماء قطرية لمثقفين لا يمكن الاستغناء عن أطروحاتهم الثقافيّة المتجددة دومًا، لكنهم قلّة للأسف.
2 تعليقات
نورة الهاجري:
أهلاً بك
ما أشرتِ إليه ملاحظ بالفعل، أننا أصبحنا نعوض عن القصور الثقافي لدينا بتلميع الموجود أكثر من اللازم.
وهي ثقافة قبلية قديمة لا تصلح لتقييم الأجود والأكفأ بمعيار الحق.
“خل ولدنا يظهر مع الرياجيل” “اللي ما فيه خير لجماعته ما فيه خير للناس” “دعم المنتج الوطني” .. إلخ.
شكرا لكم أستاذ عبدالله ، مقال مفيد ومحزن ، واتفق أن الحراك الثقافي في قطر قليل وأقل من المتوقع مع حجم ما يبذل من طاقات مؤسسية ، ولكن الحق إن الإبداع في قطر ولاسيما الأدب – من وجهة نظري – تعتريه هالة من التضخيم للمنتج الأدبي وخاصة الرواية حاليا . هناك احتفاء بالعدد على حساب النوع ، وتصدر المشهد من خلال شخصيات هذا واضح ومستمر . ومثل هذا الأمر يمنع الرؤية الحقيقة للواقع الثقافي من جهة ، وتكون تلك الوجوه نصف الثقافية معلما للآخر عن قطر . هل سمعت ناقدا يقول هذا ليس شعرا وتلك ليست رواية !! لم أسمع بذلك قط . هذا مقياس للأدب ، فما بالك بالوجود الفكري والحضور السياسي . قلة قليلة تحسب لقطر من وجهة نظري : د علي خليفة الكواري ، د بن نهار ، د جاسم سلطان ، عبدالعزيز الخاطر والأخير كتابة أفضل منه حدثيا ) أما د. حمد الكواري مرشح الدولة لأحد الجوائز العالمية سابقا . ماذا قدم ؟!! لا أدري .. شكرا مرة أخرى لتواجدكم المعرفي وثقافتكم الواسعة وأسئلتكم الحية .