تخوم المقدس هي الحدود الفاصلة بين كل ما هو مقدس وما هو قابل للاجتهاد - مدونة وسوم

تخوم المقدّس

تخوم المقدس

تخوم المقدس ,قداسة,مقدس

أنا رجل مؤمن بالله وبرسوله، لكني أعترف بشكوكي الحادة حيال الكثير من ثقافتنا الدينية فهمًا وتطبيقًا، تلك التي تقترب من تخوم المقدّس، وتساؤلاتي تفتح عليّ باب التخوين والاتهام، من قبَل سماسرة النوايا، ورماة الأحكام، أو العتب من بعض الأحباب أن لا تكسر الأيقونة.

الكثير الكثير من البناء الثقافي الديني لدينا، محاط بالقدسية التي لا يستحقها، إنما هو آراء واجتهادات ودسائس أحيانًا، وليست قرآنًا ولا سنّة .
وقد ساهم هذا التقديس المصمَت لكل ما هو ديني على مَرّ تاريخنا الإسلامي في تخدير العقول، وتغول السلاطين، وانحراف التديّن عن غاياته السامية.

الغلو في التقديس الديني قد يكون مقصودًا لأهداف غير دينية، وذلك عبر تحويل الدين إلى عامل مؤثر بسيط، حسب تصنيفات علم النفس والاجتماع، وهو المؤثّر الذي يستجيب له الإنسان بفعل فوري، كاستجابة الأعصاب عند لمس النار، ومن هنا يُستعمل الدين مؤثرًا سريع الاستجابة، وبالغ الفعالية لتوجيه الجمهور.

ودعوني أوضح ذلك بمثال: لو سألك شخص من هو العريفي؟

ربما ستظن أنه فعلًا لا يعرفه، وتستجيب للسؤال: العريفي شيخ سعودي، يظهر في الإعلام بكثرة، وقد تستظرف فتزيد، وهو شيخ وسيم يحببنه النساء.

لكن ماذا لو همس في أذنك صديق، أو حتى غريب وقال: احذر، هذا السائل ملحد يهزأ بالدين وأهله، وسؤاله مريب (تعبئة ذهنية)، فهنا يأتي دور المؤثر البسيط، ويستجيب الأكثرية لهذا التحذير فورًا بالغضب، والتهيؤ للدفاع المستميت عن قدسية الدين، المتمثل في الدفاع عن العريفي! بمعنى لقد جاوز بالدفاع عن العريفي تخوم المقدّس.

أعود فأقول: كثير من التراكمات الثقافية، والسياسية، والعلمية، والاجتماعية، منذ انقطاع الوحي حتى اليوم، نسمّيها دينًا، ونتناولها بتقديسٍ وتسليمٍ عفويين، وماهي إلا حصيلة ثقافية طبيعية، مثلها مثل أية ثقافة أخرى، وقابلة للنقد والتعديل والترك، إن لم تعد تصلح لزمان أو مكان معين.

ومن ذلك، اجتلاب تفسير وتطبيق آراء العلماء السابقين لقضية معاصرة، هذا رأي وفهم لا دين، ولتوهم ضمه إلى تخوم المقدس، ستجد من يستدل عليك في قضايا معاصرة مثل: الثورات، والانتخابات، والليبرالية بقوله: قال الأوزاعي وقال قتادة! يقولها بخشوع واقتناع تام.

وكل هذه التراكمات الثقافية التي نضمها خطأً إلى دائرة المقدس، مثل: الآراء، وأقوال الرجال، والأعراف، والعادات، هي سلوك جماعي متوارَث، هدفه في الأعم تنزيه الدين والحفاظ عليه والاحتفاظ به، كل ذلك بحسن نية، إلا أن هناك من يستخدم هذه النوايا الحسنة لتعبيد الطريق بها إلى جهنم.

سأضرب مثالًا لأوضح مرادي، الملك أو رئيس الدولة في البلاد العربية، يخشى الرأي المخالف لا شك، لكنه شخصيًّا قد يتسامح في بعض الآراء، وخصوصًا من بعض الأشخاص، لعلمه بحبهم له وسلامة نواياهم.

وحين يُمنع مقال من النشر في صحيفة وطنية، فإن هذا ليس بأمر مباشر من الحاكم، ولكن حسب فهم رئيس التحرير، أن هذا مما سيغضبُ الحاكم، وربما الحاكم نفسه كان سينشره.

وكذا يُراقب مواطن، أو يسجن، أو يضيَّق عليه ليس بأمر الحاكم، ولكن اجتهادًا من المخابرات، والشرطة، وبقية المؤسسات، حسب فهمهم لحدود الحرية والخطوط الحمراء، التي تخالف سياسة الحاكم أو مفهوم الوطنية.

وكذا الكثير من فروع الدين من هذا القبيل، اجتهاد علماء وقضاة لتوخي المصلحة الشرعية، بهدف الحفاظ على الدين المقدّس، وليست نصوصا مقدسة أصيلة، ولا حتى قريبة من تخوم المقدّس.

بل الله الخالق الحكيم، خلق لنا العقول لنعملها في البحث والتقصي والفحص، ونراجع المسائل والآراء والواقع، لنجتهد بعد ذلك في اكتشاف الأحكام الشرعية المناسبة، التي تناسب العصر والحال، ونسوس أمورنا السياسة الشرعية لا السياسة الشرقية.

د. عبدالله السالم
د. عبدالله السالم
شاعر ناقد مدون من قطر

1 تعليق

  1. يقول GGG:

    صااااااااااااااااادق ولله 100% .

اترك لي أثرك