شعراء الحوادث اليومية الباهتة – وسوم عبدالله السالم : مدونة شخصية قطرية ثقافية

شعراء الحوادث

شعراء الحوادث و الشعر

شعراء الحوادث , الشعراء , الشعر النبطي

«.. ضئيل الشعر يغتر بضجة الحوادث

ولا يعلم أن حوادث النفس على

صمتها أجل من الحوادث».

عبد الرحمن شكري

1949-1886

اصطدام حافلتي ركاب في شمال إيران، زلزال متوسط الدرجة يهز مدينة سيئول، المبعوث الأميركي يلتقي بالرئيس المريخي، عودة كلب ضال لعائلته بعد 5 سنين، إجراء عملية تجميل لسعادة الوزير، انفجار عبوة ناسفة في جامع، ارتفاع أسعار الدجاج فجأة، وفاة أحدهم قهرا.. إلخ.

والمئات من الأحداث التي تمر سريعا في شريط الأخبار أسفل الشاشة بشكل مثير للضجر.

إنها أحداث تهمنا أحيانا وأحيانا تدعونا للضحك والسخرية.

إلا أن بعض الشعراء ( شعراء الحوادث ) ويدخل معهم في ذلك كتّاب الأعمدة الصحفية ليس لهم من الهم إلا تحويل هذا الشريط الإخباري إلى شعر أو مقال.

إنه يشعر بالإفلاس من الداخل، لذا يستعين بكل خبر عام وجماهيري ليصنع منه مادة أدبية تحترق سريعا مثل «عرفجة» منذ قراءة العنوان.

ولا يضع أخونا في حسبانه أنه لن يكون المخترع الأوحد لفكرة تدجين هذا الخبر شعريا بل سيتهافت كل طفيليي الشعر من زملائه شعراء الحوادث الآخرين على الوليمة نفسها ويخرجون لنا جميعا بمانشيتات إخبارية مكرورة إنما في قالب عروضي آخر.

حسنا، تفاعل مع الأحداث كما تشاء وعبر عنها كما تشاء، لكن لا تحاول تمرير الخواء والأمية الفكرية تحت عمامة سيد المجتمع الحكيم والوصي على العالم.

إنها طريقة ممجوجة لترويج المادة الأدبية من خلال تحميلها بأفكار ساعة الذروة.

والقبيح في الأمر أن الأسلوب والصياغة يدلان بشكل قطعي على عدم الإيمان بهذه الأفكار أو اللامبالاة بها في أحسن الأحوال، يبدو ذلك جليا في ضعف النبض الوجداني في جسد القصيدة، وضعف التواصل العاطفي بين الكاتب وقصيدته، مفككة ورتيبة وملقاة على سبيل الواجب لا أكثر.

والأقبح من كل هذا أننا حين نفتش في نتاج هذا الشاعر نجد الفقر المدقع في مجالات الشعر الأخرى، ربما قصيدتان أو ثلاث، أيام مجده الأول ثم تفرغ تماما لشعرنة الشريط الإخباري.

الشعر ينبع من الداخل، وكلما كان الكاتب مؤمنا بالفكرة كان تعبيره عنها أصدق وأقوى، لذا برر النبي صلى الله عليه وسلم حدة أحد المتخاصمين لديه في حادثة بأن: «لصاحب الحق مقالا».

طالما كأن رأيي أن الشعر في الغالب لا يصلح كثيرا لدور الوعظ والخطابة والأخبار ونحو ذلك، إن لكل منها أدواته الخاصة، وأولئك الذين يعلقون الشعر بالأهداف الأسمى ويقصرون الشعر على ذلك مخطئون حتما.

إذا أردتُ قراءة ما يحثني على الصدق والفضيلة والتقوى فلديّ ما هو أفضل من كل آراء الخلق، كتاب الله تعالى والآثار النبوية، ربما سأقرأ غيرهما من باب النافلة الأدبية، لا، أنا لا أقول بتحريم الكتابة في هذه القيم، إنما يثير حفيظتي من يتخذونها جسرا لئيما لتفخيم أعمالهم.

إنهم يربطون في أذهانهم بين سمو الفكرة وسمو الوسيلة، وهذا غلط مريع، إنه من المحتمل أن يكون سوء التعبير عن أمر سببا في الصد عنه، لذا احتماؤهم بالأفكار الجيدة لترويج هشاشتهم مجرد وهم لن ينطلي على الكثير.

هناك نماذج من عيون الأدب المحفوظة في ذاكرة التاريخ ولم تكن مواضيعها بتلك الجودة المتوقعة، قصائد في الخمر واجتهادات ميتافيزيقية ضالة ومجون وخرافات علمية وأشياء من هذا القبيل ومع ذلك كان المستند الأساسي في نجاحها هو جودة التعبير فقط، ونجحت رغم هزالة الفكرة، مثلا:

الخيميائي: رواية لباولو كويليو، عبرت القارات وطبع منها ملايين النسخ وهي تتحدث عن خرافة «الأسطورة الشخصية»، إنها تعارض المنطق والعلم.

الخمرية: القصيدة الخالدة، والمنسوبة للأموي الوليد بن يزيد، بدأت وانتهت بوصف الخمر ومدحها، وكاتبها رجل مسلم يحرم الخمر والجمهور الذي تلقاها كذلك، إنها تصادم الدين.

رسالة الغفران، ومجون بشار وأبي نواس وطفولية ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وغير ذلك.

أما اقتناص الفرص للأحداث العالمية للاتكاء عليها أدبيا فأظنه سبيل المعدمين أو ضئيلي الشعر كما يحلو لشكري تسميتهم أو شعراء الحوادث كما يحلو لي.

د. عبدالله السالم
د. عبدالله السالم
شاعر ناقد مدون من قطر

اترك لي أثرك