التشريح النقدي لقصيدة فالح العجلان الناقد القطري عبدالله السالم - مدونة وسوم

عن خطاب فالح العجلان

فالح العجلان التشريح النقدي

خطّاب: فالح العجلان

وحق البيد .. وعشق البيد .. وعينٍ تستبيح الما

وحق الخبز .. وملح الخبز .. والعشاق واحبابك

وحق اللي ظماك .. ولا ارتواك .. يرد لك .. يظما

دخيلك .. تطلق طيور “الجهاد” اللي على بابك!!

أنا ما قلت لك شفني .. ولا قلت .. الفراق أدمى

ضلوعٍ .. حزنها يمطر .. على شيحك وعنّابك!!

دخيلك .. والحزن فيني مدينة .. والسما ظلما

دخيلك .. كيف .. فز النور .. من قبرك وهلّابك!!

يقولون .. الغلا سامي .. وأنا قلت الوفا أسمى

جفا .. كل الوفا .. واللي صفا .. تسبيح محرابك

وحق الخصلتين اللي .. على حد النظر .. مرمى

رحيق الورد .. والا اللحد .. والا المسك بترابك

وحق النظرة اللي .. بعدها كن الزمان أعمى

من اللي هامته .. بعدك تطول وتروى أعشابك

زمانك .. وأنت .. والا لعبة الأيام في سلمى

زمانٍ كنت .. والا أنت .. والا طعنة أقرابك

وحق البيد .. وعشق البيد .. وعينٍ تستبيح الما

دخيلك .. تطلق طيور “الجهاد” اللي على بابك!!

مسحة جذعية

عدد الأبيات: 8 (قصيرة)

الغرض: رثاء صوفي

المنحى الشعري: نص حديث

العلامة الفارقة: قافية ـمى (قافية لذيذة)

تخدير موضوعي

لا شك أن المقصود الشعري عنصر ملغي في إنجاح النص في الدراسة العلمية الموضوعية، لذا حفظ الأدباء قصيدة بطولها تصف الخمر كإحدى روائع الشعر العربي، لكن بعض المقاصد يجبرك إلا أن تتعاطف معه، وإن اختلف الناس في مقاصدهم واعتباراتها.

وهذه القصيدة تعزف بشكل عاطفي بليغ على بعض الأوتار الحساسة جدا في ضمير المتلقي العربي المسلم.

اعتمدت القصيدة على بعض العناصر الجمالية التي جعلتها تصنف (حسب ذائقتي) إلى قصيدة ناجحة، وإن تهاونت قليلا في بعض المواطن، سأبينها في الدراسة.

إلى المشرحة ( التشريح النقدي ) :

وحق البيد: يستهل الشاعر القصيدة باستحلاف، يستحلف الشاعر شخصية القصيدة -وهو خطّاب الشهيد– بحق البيد.

وهذا الدخول التراجيدي أكسب النص منذ البداية ديناميكية تثير الحيوية لدى المتلقي، فالكلمة الأولى تزيح الستار عن مشهد مسرحي جاد، أحدهم يستحلف غائبا بعيدا ويجدّ في التوسل، وحق البيد.

وحق البيد وعشق البيد وعين تستبيح الما: هذا الشطر ليس سليما مائة بالمائة من حيث الوزن، فهو مثقل ببعض الحروف الزائدة على الحد العروضي المعروف: مفاعيلن مفاعيلن، والحروف الزائدة هنا هي: الواو في “وعشق” والواو في “وعين” ، فهذه الزوائد أثقلت الوزن، لكن بعض الشعراء يتساهل في هذا الثقل، إنما الأكمل إصلاحه.

وحق الخبز وملح الخبز: والواوات هنا أيضا زوائد تثقل الوزن.

دخيلك تطلق طيور الجهاد اللي على بابك: هذا الشطر ناجح لأسباب:

1- أنه جاء بعد طول انتظار، فقد مهد له الشاعر على طول ثلاثة أشطر وهو يتوسل المخاطب كي يفعل شيئا، وهذا هو بيان الشيء.

2- أنه جاء متناسقا منسابا من حيث اللفظ، فلا وقفات في الجملة كلها، بعد عدة جمل متقطعة في الأشطر السابقة، وبلا تقديم أو تأخير للمسند أو المسند إليه، وبلا زوائد لفظية يصح الاستغناء عنها.

3- أنه تضمّن صورة شعرية جديدة ” طيور الجهاد ”

4- أنه من نوع المعاني المفتوحة، وهي معانٍ تمتاز بها القصيدة الحديثة، إذ يتعمد الشاعر استعمال تركيب أو صورة لا يمكن تأويلها على وجه واحد، لذا يختلف التفسير من قاريء لآخر.

قد يكون المعنى من الشطر: أن يعتق صغار الشباب المجاهدين المعتكفين حول باب الشهيد في حالة مأتمية.

وقد يكون المعنى أن يثأر الشهيد لنا نحن الذي تألمنا لنهايته المريرة بإطلاق طيور الجهاد، وهي طيور أبابيل التي ترجم الأعداء بوابل من الرصاص.

وقد يكون المعنى أقرب من ذلك أو أكثر، إلا أن ميزة أشباه هذه الصور المنفتحة على العديد من الاحتمالات أنها كالسمكة لا يمكن للمفسر أن يقبضها على خط واحد.

دخيلك والحزن فيني مدينة: أنا شخصيا لا أحبذ استعمال كلمة ”فيني” وهي الصارخة في الشعبية المهجنة.

وحق الخصلتين اللي على حد النظر مرمى: هذه أيضا من المعاني المغلفة  وهي عنصر قوة حين تكون بهذا العمق المعقول من غياب المعنى، والخصلتين مثنى خصلة، والخصلة تأتي بمعنى الميزة وتأتي بمعنى مجموعة الشعرات المتدلية من الرأس.

فإن كان المعنى المراد هو الأول فإن الشاعر لم يذكر الخصلتين المرادة، وهذا نوع من الإجمال الذي يضعف البناء الشعري، أما إن أراد الشاعر المعنى الثاني فإنه سقط في خطأ لغوي، إذ الخصلتان اللتان أراد الحديث عنهما هنا هما ذؤابتا الشهيد خطاب، وهما قرنين من الشعر يتدليان على منكبيه، وتسمى ذوائب أو قرون وأسماء أخرى ليست الخصال منها، أما الخصلة فهي أقل من هذا بكثير.

وحق النظرة اللي بعدها كن الزمان أعمى : الزمان أعمى، هذه استعارة جميلة، إلا أني أفضل لو قال الشاعر : وحق النظرة اللي قبلها كان الزمان أعمى، أعلم أن الشاعر أراد أن الزمان عمي بعد انطفاء نظرة الشهيد، ولكن لو قال أن تلك النظرة حين كان الشهيد حيا أضاءت النور في بصر الزمان، لكن أقوى (رأي شخصي جدا).

زمانك .. وأنت .. والا لعبة الأيام في سلمى
زمانٍ كنت .. والا أنت .. والا طعنة أقرابك:

أولا: هذا التنقل المتعدد بين ” زمانك ” و ” أنت ” و ” كنت” وغيرها أصاب موسيقية البيت بربكة تضعفه، يضطر المتلقي أن يتوقف مليا في الضمير أو الاسم الذي سيستقر عليه الأمر، كما أن كلمة ”أنت” تكررت في البيت بغير مسوغ ذي بال.

ثانيا: طعنة أقرابك: جاءت هذه الإضافة قوية وناجحة، لسببين:

السبب الأول : لأنها صورة مفاجئة ومستبعدة، فالأقراب لا يطعنون، فإذا أضيفت الطعنة للأقراب اخترقت الصورة السائد والمتعارف عليه، ومن ذلك قول طرفة بن العبد:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة

على النفس من وقع الحسام المهندِ

السبب الثاني: لأنها بالفعل السبب الحقيقي لنهاية الشهيد خطاب.

أما تكرار البيتين الأوليين في النهاية بعد اختصارها في بيت واحد، فلم أجد فيه إضافة للنص، بعكس لو انتهى بنفس النهاية في الشطر الأخير بعد أن قدم لها تقدمة جديدة في الشطر الأول، خصوصا أن القصيدة لا تتجاوز السبعة أبيات .

النتائج المخبرية

النص مزود ببعض الصور المبتكرة والعديد من المعاني المفتوحة لأكثر من تأويل، كما أنه من حيث الغاية الشعرية يتكيء على قيمة أخلاقية مؤثرة، تتضافر هذه العناصر لتشكل نصا ناجحا.

أعجبني النص، شكرا فالح العجلان .

د. عبدالله السالم
د. عبدالله السالم
شاعر ناقد مدون من قطر

اترك لي أثرك