
سطّرت المقاومة الإسلامية في غزة بطولات استثنائية شاهدَها العالمُ كلُه، في مواجهة كل قوى الشر المتآمرة ضدها، لكن ما لفتَ انتباهي هو صمود شعب غزة الجبار، من المدنيين والنساء والشيوخ والاطفال، فبطولة هؤلاء حكاية أخرى.
مظاهر بطولة شعب غزة الأبي
قوة الصبر والثبات
أمٌّ تفقد أبناءها كلهم في سبيل الله، أبٌ يفقد أهلَ بيته، أناس يفقدون شجرة عائلتهم بالكلية، شاب يرى أشلاء أهله متناثرة على الأرض، ويظهرون على وسائل الإعلام وهم يتحمدون الله على مصابهم بألم وحزن، ولكن بصبر وثبات!
أو يقولون كلاماً عن مواصلة البقاء في الأرض وبنائها.
أو يتوعدون العدو بالنصر القريب.
ما هذه الصلابة التي تفوق القدرة البشرية!
إظهار الرضا بقدر الله
على كثر الخسائر، وهول الفجائع، لم يظهر أحد يتسخط على قدر الله، أو يجدّف بالكلام أو ينوح ويولول، إلا ما ندر.
تطبيق عملي على الإيمان بالقدر خيره وشره، والرضا به.
لا مكان للخونة
في مَواطن الصراع المشابهة، وخصوصاً مع حجم الخسائر والقتل والدمار في غزة، يتشطى المجتمع في الغالب إلى مزق كثيرة.
هؤلاء يتهمون هؤلاء، وهؤلاء يحمّلون هؤلاء المسؤولية، وهؤلاء يريدون الإيقاع بهؤلاء، وهؤلاء يصطفّون ضد هؤلاء، ثم تتكاثر الدسائس والخيانات والذمم المشتراة، ثم تتداخل الولاءات، ثم الخيانة.
لم يحدث شيء من ذلك في بين شعب غزة.
رغم الجراح والألم والأنين، لم نسمع شكوى الشعب المنكوب من القيادة، لم يحدث انشقاق في الصف.
حاولت الأفعى اليهودية وأذنابها وقوع هذا، بحثوا عن متذمرين قابلين للإيجار، لكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً في ذلك.
بطولة شعب غزة الفريدة هنا هي بالانغلاق التام أمام الاختراقات الخارجية، والغياب الكلي لأي إشارة من إشارات الشكوى أو التذمر أو التراجع التي قد تغري تجار الذمم الكثر.
بالرغم من تأكدي من اختلاف الرؤى السياسية، وتنامي المراجعات الاجتهادية في جدوى طوفان الأقصى، أو الاستمرار في الحرب، إلا أنه لم يظهر شيء من ذلك على السطح.
وبالتالي أُغلق البابُ في وجه العدو المتربص، المتحيّن لأي ثغرة خلاف، وأظهر الشعب تماهياً كاملاً مع القيادة، وعبّر عن ذلك في مناسبات عدة.
أسباب صمود شعب غزة
العقيدة الصحيحة
العقيدة الدينية الصحيحة هي الركن الركين لثبات الأقدام أمام الموت.
نعم هناك الشجاعة، وهناك الحمية، وهناك حب الوطن، وهناك الدفاع، وهناك أسباب فردية أخرى، لكن العقيدة الراسخة تجاه الغيب والخالق والحياة والموت والكون هي السبب الأقوى والأقرب للثبات الجماعي في وجه الغزاة وأمام الأخطار.
التنشئة الدينية
إذا اجتمعت في مجتمعٍ العقيدةُ الدينية الصحيحية والتنشئةُ السلوكية الناتجة عن تلك العقيدة فإن النتيجة هي الحصول على مجتمع بطل، تماماً كما هي بطولة شعب غزة اللافتة للأنظار في هذا الامتحان العسير.
والمجتمع الغزي مجتمع متدين في الأغلب، وذلك بسبب كون السلطة في يد جماعة إسلامية تضع الجهاد في سبيل الله عنوان المرحلة، وتحافظ على أيقونة وجوب تحرير أرض فلسطين من الاحتلال، مما انعكس على السياسات الداخلية والقوانين والسلوك الاجتماعي.
وهذا ما يجعلهم دوماً يشنون الحرب على الإسلام السياسي تحت مبررات مختلفة.
قسوة الحياة في غزة
لم تكن الحياة في غزة قبل طوفان الأقصى وما تلاه قطعة من النعيم، بل كان شعب غزة يعاني من الحصار والفقر وظروف العيش القاسية، والأهم من كل ذلك: الشعور الدائم بالبقاء تحت لاحتلال.
هذه البيئة الصلفة أسهمت في صمود شعب غزة في الاختبار، إذ جعلته أقدر على تحمل ويلات الحرب والنزوح والتهجير والفقر والآلام المتعددة.
ولو كان شعباً مرفهاً ما تحمل ربع ما تحمله.
خلطة البطولة
هذه العوامل السابق ذكرها مجتمعة هي ما صنعت بطولة شعب غزة وصمودهم طيلة سنة ونصف من القصف المتواصل والتقتيل والتهجير والحرب الشعواء التي خلفت أرقاماً مهولة من الشهداء والمصابين، أكثرهم من النساء والأطفال، والتدمير الجائر للمنازل والطرقات والمؤسسات والبنية التحتية.
أقول هذه العوامل مجتمعة هي الخلطة السحرية للصمود والثبات، ولو اختلت أو تخلّف بعضها لكان السقوط السريع، كما رأينا في مواقع أخرى.