سبب شهرة مسلسل أرطغرل والمؤسس عثمان

سبب شهرة مسلسل أرطغرل

سبب شهرة مسلسل أرطغرل المؤسس عثمان

يكاد لا يخلو منزل عربي من شخص يتابع مسلسل أرطغرل أو سمع عنه على الأقل، وقد كنت كعادتي أتقاعس عن متابعة المسلسل بسبب كثرة الناس الذين يتابعونه أو يتحدثون عنه، فنفسي تعاف الشيء الذي يتزاحم عليه الناس، لكني بعد أن تغلغلت في أجواء المسلسل منذ الحلقات الأولى دخلت معهم في الزحام بل أصبحت في مقدمتهم، وها أنا ذا اكتب عن سبب شهرة مسلسل أرطغرل عند العرب والمسلمين.

الجدير بالذكر أن مسلسل أرطغرل انتشر انتشار النار في الهشيم في الكثير من دول العالم الإسلامي وبلغات متعددة، وهو الآن يُعرض على القنوات الرسمية أو الفرعية في كل من: روسيا ورومانيا وباكستان وإيران وإندونيسيا والمجر واليونان وبلغاريا والبوسنة والهرسك وأذربيجان وأفغانستان وألبانيا وجورجيا ومقدونيا وسلوفينيا وصربيا وليتوانيا وكرواتيا وبنغلاديش وقطر والسعودية ومصر وغيرها.

فما سر هذه الانتشار والقبول وما سبب شهرة مسلسل أرطغرل وهو ليس أول عمل تلفزيوني تركي أو إسلامي؟

سنعرف هذا بعد أن نستعرض لمحة تعريفية مختصرة عن المسلسل، ومن ثم تعداد الإيجابيات والسلبيات والتعرض لبعض المسائل المتعلقة.

عن مسلسل أرطغرل

النوع: مسلسل تركي تاريخي إسلامي.

سنة الإنتاج: الموسم الأول 2014.

البلد: تركيا.

الكاتب والمنتج: محمد بوزداغ (Mehmet Bozdağ).

بطولة: إنجين ألتان دوزياتان أو إنغين ألتان دوزياطان (Engin Altan Düzyatan).

إخراج: متين غوناي (Metin Günay).

المواسم: وصل  مسلسل قيامة أرطغرل حتى الآن إلى الجزء الخامس ويُتوقع أن ينتهي عند الحلقة 150 من الموسم الخامس، ومن ثم يبدأ مسلسل قيامة عثمان الذي سيلعب دور البطل فيه النجم التركي الشهير: بوراك أوزجيفيت.

قصة المسلسل

تدور أحداث مسلسل أرطغرل في الفترة الزمنية السابقة والممهدة لقيام الدولة العثمانية في القرن 13 الميلادي عن قبيلة تركمانية (تركية مسلمة) تتجول في السهول والجبال بحثًا عن المراعي أو هربًا من الحروب. كان اسمها قبيلة قايي.

كانت قبيلة قايي تنضوي تحت لواء الدولة السلجوقية، لأنها تشترك مع مؤسسيها في العشيرة التركمانية الأم (الأوغوز) وكانت تحترم أوامر الدولة حتى انتشر الفساد في قصر الحكم وضعفت الدولة بين مطرقة المغول من الشرق وسنديان البيزنطيين من الغرب.

بدأت قبيلة قايي بالانفكاك التدريجي عن الدولة السلجوقية الضعيفة على يد أمير القبيلة أرطغرل بن سليمان شاه، إلى أن استقلت تمامًا وأنشأت لاحقًا (خارج إطار المسلسل) دولة جديدة هي الدولة العثمانية (1299م-1926م) على يد عثمان بن أرطغرل (في المسلسل القادم المؤسس عثمان).

كان القائد أرطغرل محاربًا مولعًا بالجهاد والفتوحات الإسلامية ساعيًا لإعلاء كلمة الله في الأرض، وكان ذكيًّا فطنًا لمكائد الأعداء من المغول والبيزنطيين، وكاشفًا لخيانات العملاء والجواسيس من المسلمين، وعادلًا يحكم بالحق على نفسه وأقاربه، ويعامل شعبه من غير المسلمين بإنصاف واحترام.

سبب شهرة مسلسل أرطغرل

سنستعرض في النقطة القادمة مجموعة من الإيجابيات والسلبيات لمسلسل أرطغرل لكن ميزة المسلسل الكبرى، والتي هي العمود الفقري لنجاحه وانتشاره في العالم الإسلامي، هي قيمة موضوعه العالية والمؤثرة في نفوس المسلمين.

وأعني بذلك أنه ظهر بين الآلاف من الأعمال الدرامية والسينمائية والسردية في العالم التي تتهم الإسلام أو تزدريه أو تشوهه أو تلمزه وتهمزه، فتُظهر الإسلام والمسلمين دومًا في دور الأشرار الذين يقتلون الأبرياء ويحاربون الحضارة ويتصفون بالبدائية والبربرية والحماقة ونحو ذلك.

فجاء مسلسل أرطغرل يذكِّر المسلمين بأمجادهم وقوتهم وحضورهم على مسرح العالم فاعلين ومؤثرين ومتحضرين، كما انتصر لهم من الاتهامات المتكررة التي ترميها عليهم السينما العالمية، فأظهر المسلمين ملتزمين بالصدق والشهامة وعزة النفس والحكم بالحق والعدل ولو على أنفسهم وأقربائهم.

وعلى المستوى العربي والإسلامي جاء المسلسل ليستعرض الهموم الجادة لكل مسلم في قالب درامي لا هذه الاهتمامات التافهة التي تطفح بها قنوات عصرنا التلفزيونية وأعمالها الفنية والتي يوهموننا دائمًا أنها هموم الأكثرية وما يطلبه الجمهور.

وهذا سبب شهرة مسلسل أرطغرل في العالم الإسلامي واحتفاء المسلمين به، تمامًا مثل انتشار وشهرة فيلم عمر المختار وتعلق المسلمين به.

وهذه الميزة وحدها جعلت المسلسل ينجح وينتشر عند أغلب المسلمين متجاوزًا كل الأخطاء والسلبيات الفنية مجتمعة.

إيجابيات مسلسل أرطغرل

  1. خلو المسلسل تمامًا من المشاهد والإيحاءات والألفاظ المخلة بالأدب مما يجعله عملًا فنيا صالحا للمشاهدة من كل المستويات العمرية، ويستطيع صاحب الأسرة المحافظ أن يتابعه مع كل أفراد أسرته دون أن يقلق من ظهور مشهد مفاجئ لا يناسب بعضهم.
  2. نقد واقعنا الإسلامي المفكك وتسليط الضوء على أمراضه الكثيرة من خلال نموذجه المطابق له تمامًا في عصر قصة المسلسل.
  3. كشف ألاعيب العدو الديني والثقافي وأساليبه العدائية من خلال الحرب تارة، ودس الجواسيس تارة، واستغلال الخونة من داخل الأمة تارة، وبث الفرقة والنزاعات بين دويلات المسلمين تارة، مما يصح إسقاطه على واقع التمزق العربي والإسلامي الذي نعيشه اليوم.
  4. بيان أن معظم الإمارات والقيادات والعروش الإسلامية لا تعمل لصالح الأمة الإسلامية، وإنما لبقاء سلطانها فقط، ولو كان ذلك عن طريق خيانة الدين والأمة والتحالف مع أعدائها.
  5. إسناد الأدوار الرئيسية مثل البطل وأبرز مساعديه الدائمين إلى ممثلين غير مشهورين في أعمال أخرى تخالف سمة المسلسل المحافظة.
  6. سلامة المسلسل من التوظيف العنصري السياسي والإثني والعرقي والديني الفاضح على حساب الحط من الآخرين المختلفين، مثل ما هو شائع في الأعمال الغربية والأمريكية على وجه التحديد.

سلبيات مسلسل أرطغرل

  1. أخطاء الإخراج القاتلة، وأكثرها من الأخطاء المتعلقة بما يُسمى في فن الإخراج التلفزيوني والسينمائي: (Continuity) وتعني الاستمرارية أو الاتساق أو انتظام السياق، مثل أن يسقط شخص على الأرض فتسقط قبعته بجانب رأسه ثم (cut) فإذا بالقبعة غير موجودة في اللقطة التالية، أو حصان به زبد من التعب أو رجل بثيابه عرق ثم (cut) فإذا بالزبد أو العرق قد زالا في اللقطة التالية، وقد تحسنت المواسم الأخيرة كثيرًا في هذا المجال.
  2. إطالة بعض المشاهد المتكررة بلا مبرر فني، مثل تصوير الفرسان وهم يركضون على الخيل لمدة تقارب 30 ثانية، أو معركة يتقاتل فيها الفرسان لمدة مماثلة وبلا مبرر فني أيضًا.
  3. طول مواعظ الشيخ ابن عربي وتلاميذه لاحقًا مما لا يتناسب مع عمل فني، وبالإضافة لطولها المبالغ فيه (3 دقائق) فهي قليلة القيمة الفنية، مما يجعلني أتجاوزها دائما وأنا غير قلق لفوات أمر ذي بال في القصة.
  4. المبالغة في قدرات الشيخ ابن عربي الغيبية، فقد أوشك أن يكون ملكًا سماويًّا لا مخلوقًا بشريًّا، وهذا هو السائد عند غلاة الصوفية عن الصوفي الشيخ ابن عربي.
  5. تكرار القصص الفرعية في المسلسل وخصوصًا في المواسم الأولى، مثل وجود خائن متخفٍ في القبيلة يساعد الأعداء وبعد عدة مكائد يُكتشف ويعاقب، ثم يظهر خائن آخر بنفس السيناريو ثم ثالث ورابع.
  6. إغفال عنصر التشويق في بعض القصص الفرعية التي كان الأجمل استثمار هذا العنصر فيها، مثل الكشف المبكر للمشاهِد عن ازدواجية شخصية الخادم الأحدب في دور زانغوتش المسكين ودور القائد دراغوس، ولو تأخر الكشف عن دور القائد الشرير دراغوس لكان أجمل، وكذا الشخصية المزدوجة للأمير بيبولات أمير قبيلة أومور والقاتل الخائن ألباستي صديق المغول.
  7. تواضع المؤثرات البصرية أو الطاقة الإنتاجية فيما يتعلق بقلة عدد الناس حين يُراد له الكثرة، فمثلا يُفترض بالمعارك الكبرى أن يظهر فيها على الأقل ألف شخصٍ فيما يكتفي منتج المسلسل ومخرجه بعشرين أو ثلاثين فقط، وهذا وإن كان يناسب السياق في مواطن عدة لكون المشهد يحكي عن قدرات قبيلة بدائية إلا أننا نرى استصحاب هذا التهاون بالعدد في المعارك التي تكون المعركة فيها بين جيوش نظامية مثل جيش الدولة السلجوقية والإمبراطورية البيزنطية أو المغول.
    وهذه المشكلة تظهر جلياً حين يستعين المخرج بأحد المحاربين ليقول عن المغول مثلًا: من أين ظهر لنا كل هؤلاء؟ فيما العدد لا يتجاوز العشرين شخصًا، وكأنه يقول للمشاهد: أرجوك انظر إليهم على أنهم عدد كبير.

انتقاد مسلسل أرطغرل

تختلف مآخذ منتقدي مسلسل أرطغرل باختلاف منطلقاتهم في الانتقاد، ويمكن حصرها في هذه النقاط:

✔ من يرون حرمة التصوير أو التمثيل أصلًا، وهؤلاء لا يمكنني مناقشتهم هنا إذ الخلاف معهم ديني شرعي في إطار الاجتهاد الفقهي وهذا ليس محله.

✔ من يرون إباحة التصوير والتمثيل لكنهم يلتزمون بالضوابط الشرعية الثابتة في الشرع مثل تحريم مس المرأة الأجنبية بلا ضرورة، وفي المسلسل قد يمس الممثل ويقبل رأس أو يد امرأة في دور زوجته أو اخته أو امرأة مسنة مثل (الأم هيماه أو هيماه أنا).

وإن كانت هذه المشاهد على ندرتها لا تاتي بهدف الإثارة الرومانسية وإنما بهدف الإجلال والاحترام أو المواساة عند المصائب إلا أن ذلك لا يعفيها من الحكم الشرعي الحلال والحرام، وبالتالي لا يمكنني إنكار مستند أصحاب هذا الاتجاه، وما تجاوزه والالتفاف حوله إلا نوع من الترخص والتساهل في تطبيق الحكم الشرعي، ثم أن خلو المشهد منه لن يضر فنياَ.

✔ من ينتقدون المسلسل من زاوية فنية بحته ومن ذلك ما سبق تحت عنوان سلبيات مسلسل أرطغرل، وهذا من النقد البناء.

✔ من ينتقدون المسلسل لأنه تركي فقط، وهذا نتيجة للتجاذبات السياسية التي تعيشها المنطقة مؤخرًا جراء بعض الأحداث السياسية مثل حصار قطر أو مقتل خاشقجي وضغط تركيا على السعودية وعلى ولي العهد السعودي.

✔ من ينتقدون المسلسل لأنه إسلامي، وهؤلاء وإن كانوا من المسلمين إلا أن لديهم مرض مزمن ضد كل ما هو إسلامي.

✔ من ينتقدون المسلسل لأنهم يزعمون أنه مدعوم من جماعة الإخوان المسلمين، أو حزب الحرية والعدالة في تركيا، أو أردوغان شخصيًّا، وهؤلاء أترك لكم توصيف حالتهم.

أفضل الممثلين في المسلسل

يتفاوت أداء الممثلين في مسلسل أرطغرل بنسب مختلفة لأسباب مختلفة، فقد يكون السبب هو دور البطولة وما يصاحبه من هالة وقد يكون القدرة الفنية الذاتية للممثل وقد يكون مناسبة الشخصية للدور الذي تلعبه، وأذكر منهم:

1- Engin Altan Düzyatan في دور أرطغرل، وقد نقول أن سبب التميز هو الدور الذي يلعبه فهو البطل، والبطل دائمًا يتواطأ معه المشاهد عاطفياً، لكن الحق أن هذا الممثل تطور كثيرًا  من الناحية الفنية في الحلقات الأخيرة ليتفوق على نفسه في الحلقات السابقة.

2- Hülya Darcan في دور الأم هيماه، وفي رأيي أنها أفضل ممثلي المسلسل من الناحية الفنية، ولديها قدرة عالية على توليد الملامح المناسبة للمشهد، وقد رأيت فيها شبهًا كبيرا في الأداء بالممثلة الأمريكية ميريل ستريب.

3- Osman Soykut في دور ابن العربي، وتحديدًا قبل أن يقصر لحيته، فكانت الشخصية مناسبة تمامًا للدور الذي لعبته وهو دور شيخ صوفي درويش لديه إيمان راسخ وزهد في الدنيا وطلة وقورة.

4- Cengiz Coşkun في دور تورغوت أحد المحاربين الرئيسيين من نخبة أرطغرل، وهذا الممثل لديه معطيات مميزة في لعب دور المحارب الفذ كرشاقة حركته أثتناء القتال بالرغم من ضخامة جسمه، وتلاعبه بسلاحه المفضل الفأس بحركات بهلوانية إذا حمي الوطيس، كما أنه يتصف بوسامة ظاهرة، وظني أنه لو وضع في دور أرطغرل لتفوق على أنجين ألتان.

5- Emre Üçtepe في دور الطفل عثمان بن أرطغرل، لديه ملامح رجولية قاسية مع وسامة أخاذة بالإضافة إلى خفة الحركة والرشاقة في أعمال الحرب والتدريب وذلك لأنه في الواقع بطل كاراتيه.

وهناك آخرون لكن سنكتفي بهذا القدر.

رأيي في مسلسل أرطغرل

رغم السلبيات التي ذكرتها في الأعلى فأنا أرى المسلسل عملًا مميزًا وأنصح بمشاهدته، وأدعو الآباء والأمهات إلى ترغيب أبنائهم وبناتهم في متابعته، فهو يربط المسلم بتاريخه المجيد، ويلقي الضوء على الكثير من واقعنا الإسلامي المعاصر، ومن خلاله سيفهم النشء سر إصرار الأعداء وعملائهم على تفتيت خريطة العالم الإسلامي وأساليبهم في ذلك، لتصبح دويلات صغيرة متناثرة وعروش كرتونية متناحرة، وجماعات إسلامية متعددة، واستماتتهم على إبقاء هذا الوضع على ما هو عليه.

وهذا النقد الذاتي للعالم الإسلامي هو سبب شهرة مسلسل أرطغرل أو أحد أهم أسبابها.

البعض قد يحاسب المسلسل على المغالطات التاريخية على حد زعمه، ولكن هذا عمل فني لا سيرة تاريخية، أي أنه من المُتوقع والمقبول فيه أن يغير المؤلف ما يشاء من الأحداث، يضيف ويحذف ويعدل ويبتكر ما يناسب الحبكة، وكل هذا داخل في بحبوحة الأعمال الإبداعية، ومع ذلك فهو لم يغير الإطار العام للقصة الرئيسية التي بني عليها المسلسل.

وفي الختام أنوه إلى أن تركيا تصدّر لنا الكثير من الأعمال الفنية المناهضة للتحكم الأمريكي والغربي بشكل عام، سواء في الأعمال الدرامية أو السينمائية أو الروائية، وقد كتبت قبل فترة ملخصًا للرواية التركية العاصفة المعدنية التي كانت تصور حربًا عسكرية بين تركيا وأمريكا.

د. عبدالله السالم
د. عبدالله السالم
شاعر ناقد مدون من قطر

2 تعليقات

  1. أهلا بك حسام، شرفتنا وشكرا على الإطراء، أما عن المسلسل فلا بأس خصص لك ساعتين في الأسبوع لمتابعة حلقة ولن تندم.

  2. ماشاء الله مقالة رائعة قرئتها للاخر , انا اعلم بوجود مسلسل ارطغرل , لكن لم اتابع ولا حلقة لانني لست من هواة المسلسلات , وبحكم مهنتي بالدعاية والاعلان والتسويق الالكتروني طلبت مني عدة اعمال ومونتاج لاعمال يدخل فيها ارطغرل بصورة او باخرى اما بموسيقى المسلسل او بعض مشاهد او مقاطع يتم استخدامها بالاعمال المطلوبة , احييك على فصاحتك وغنى ثقافتك ونقدك البناء ومدحك المعتدل , اخوك حسام الخلف

اترك لي أثرك