ما قبل المملكة العربية السعودية
قبل اتفاقية سايكس بيكو وتقسيم الجزيرة العربية إلى دويلات ست أو سبع كنّا أمّةً واحدةً، لم تكن السعودية دولةً مستقلةً كما هي عليه الآن، ولم يكن هناك سعوديون في مقابل الكويتيين أو القطريين، وبالطبع لم تكن الوطنية بهذا الشكل الذي نراه في سلوك الوطنجية السعوديين في تويتر أو الكويتيين أو القطريين أو غيرهم من بلدان الجزيرة العربية.
وكان سكان الجزيرة العربية لا (السعودية) من القبائل والعوائل العربية يتنقّلون بحرية وبلا أيّ تفرقة بين المدن المتباعدة، فترحل قبيلة آل مرة مثلًا من أقصى جنوب الجزيرة العربية بحثًا عن الكلأ فتصل إلى أقاصي المناطق الشمالية من الجزيرة العربية، مثل الكويت وعرعر بل تتجاوزها إلى العراق والأردن.
أو شرقًا إلى عمان والإمارات وقطر والبحرين، أو غربًا إلى نجد والحجاز.
وأهل البحر ينتقلون في البحر من الكويت مثلًا إلى البحرين إلى قطر إلى الإمارات، وهكذا.
لا فضل لساكن مكة أو المدينة على ساكن الطائف أو نجد أو تهامة أو عمان أو قطر، كلنا مسلمون نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وكلنا عرب من الجزيرة العربية وكلنا نصلي لنفس القبلة، قرُبنا منها أو بعدنا.
بالطبع، قصدت الفضل الشخصي احترازًا من الفضل الديني الذي يجعل مكة والمدينة أفضل من غيرهما من حيث بركة المكان، وأنا هنا أتحدث عن فضل الشخص أو الجهة أو القبيلة أو التربة بعيدًا عن المعيار الديني.
تقسيم كعكة الجزيرة العربية
بعد توزيعنا في دويلات سايكسبيكوية أصبح هناك مسلم عربي من الجزيرة سعودي، ومسلم عربي من الجزيرة قطري، ومسلم عربي من الجزيرة من عمان، ومسلم عربي من الأحواز.. وهكذا.
كل منهم رفع علَمًا ملونًا على بيته، هذا أخضر وهذا أحمر وهذا عنّابي وهذا بعدة ألوان.. إلخ، وكل منهم انشغل طويلًا بالأقربين الأقرب، الأعمام، الأخوال، الساكنين ضمن حدود سايكس بيكو، ونسوا البقية أو أنسوهم.
السعودية بلد -كتبت الأقدار خلال خطة التقسيم في سايكس بيكو- أن يكون أكبر قطعة جغرافية من الجزيرة العربية، بل وهذا الترسيم الحدودي حصل بدون رضا أصحابه كما هو مُثبتٌ في تفاصيل تلك الاتفاقيات، كانوا يريدونه أكبر أو أصغر، مستطيلًا للشمال أو قاصرًا عن الجنوب وهكذا، حدث الأمر ورُسمت الحدود وانتهى.
بعض رجال القبائل كان متزوجًا من امرأتين؛ واحدة أصبحت في السعودية والأخرى في الكويت أو قطر حسب التقسيم الحدودي الجديد.
هذه التفاصيل الجوهرية لا يعيها أكثر الوطنجية السعوديين في تويتر وغيرهم من وطنجية دول الخليج.
أهميّة السعودية للعرب والمسلمين
السعودية أكبر قطعة من الجزيرة العربية، فكيف لعربي أن لا يرنو إليها بشوق وحب واحترام؟ هي أصل أجداده ومادة أهله ومواطن تاريخه.
السعودية بلد فيه قبلة صلاته، وشعائر حجّه، وقبر نبيّه، فكيف لا يشعر بكل هذه العاطفة الإيمانية تجاه هذا البلد؟
السعودية هي دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ورابطة العالم الإسلامي، فكيف لمسلم أو عربي أو خليجي أن لا يشعر بأحد أعضاء جسد هويته؟ وكيف لا يهتم بما يحدث فيها، وهو يعلم أنه سيعود عليه في بلده سلبًا أو إيجابًا؟
المسلم أو العربي حين يفعل هذا لا يهتم كثيرًا للون علم السعودية، ولا النطق البروتوكولي الكامل في المخاطبات الدبلوماسية لاسم الملك الحاكم حينها، ولا وزير الداخلية، ولا لهجة السكان أو لبسهم أو أكلهم التقليدي، بل ولا حتى نوعية النظام الحاكم أو اسم الأسرة الملكية.
المسلم يأتي من بلاده لبيت الله العتيق فقط لأنه مسلم، العربي يأتي لأن لديه قرابة، ربما خالته أخت الملك، كلاهما يأتي ولا يشعر بأي امتنان لأي أحد أتاح له هذا، لأنه الأصل والواجب.
وهذه المشاعر لا يعيها أكثر الوطنجيّة السعوديين في تويتر وغيرهم من وطنجية دول الخليج.
لماذا أهتم بما يحدث في السعودية؟
نحن في دول الخليج نهتم كثيرًا بما يحدث في السعودية.
بالإضافة إلى ما ذكرته من الروابط الاجتماعية، فأيضًا نحن نهتم لما يحدث في السعودية لأن ما يصيبها من خير أو شر يصل إلينا في دول الخليج الأخرى بشكلٍ أو بآخر.
في تويتر أنا أفعل ذلك وعن شعورٍ داخليّ متين.
السعودية جدتي إذا كانت أمي قطر، أهلي إذا كانت عائلتي قطر، وهكذا.
لا يمكن لي كإنسان عاقل أن أتخلى عن الاهتمام بالسعودية، وهي جزء كبير من كياني!
عندما أسخر أو انتقد أو اعترض حيال أمر في السعودية، أو حتى يظن البعض أنه خاص بالسعودية، فأنا أفعل ذلك من شعوري الداخلي ولا أجد أي غضاضة في أن أنتقد جدتي وأسكت عن أمي، ربما أصلحت أمي الأمر الذي انتقدته ولم تصلحه جدتي، وربما لأن سبب تقاعس أمي في إصلاح الأمر رؤيتها لجدتي تفعل ذلك.
الزبدة: أن ما أفعله أفعله بشعور الابن البار تجاه عائلته، الصغار والكبار، الأقرب والأبعد.
سجن ابن الذيب في قطر فتكلمت كثيرًا في الإعلام والسوشال ميديا، بل سبقت كل شعراء قطر في توجيه قصيدة لحاكم قطر تطالب بإطلاق سراحه.
تضرر الغفران في قطر حين كنت شابًّا، لكني تكلمت مؤخرًا بجرأة في السوشال ميديا ومن مبدأ إنساني حقوقي حول قضيتهم.
لا لا، أظنني تحولتُ الآن في كلامي إلى شخص يود أن يقول أنا بطل أنا قوي أنا غرندايزر، لا.
كل ما في الأمر أني أريد الإعلان الآن أني أنا إياه في قطر أو السعودية أو جمهورية مونتينيغرو، بعيدًا عن مزايدات الوطنجية وأتباعهم.
النقد اللئيم للسعودية أو السعوديين
هل يمكن أن ينتقد السعودية في السوشال ميديا عدو أو مغرض أو ذو أجندات خفية كل همه الإطاحة بها والاعتداء عليها؟
نعم بالطبع هذا وارد وبكل سهولة، فللسعودية خصوم وأعداء مثلها مثل أي بلد في العالم، لكن أول ما نبحث وراء هذا الشخص فسنجد أن هناك بلدان وقوى وتيارات أخرى تدعمه ويرتمي إليها، فما الخيارات التي سيرتمي إليها مسلم عربي؟ إيران؟ أمريكا؟ إسرائيل؟ يجب أن نبحث بدقة، لا أن نتّهم بلا تمحيص كل مهتم ينتقد الأخطاء في السعودية.
الوطنجية السعوديين في تويتر
بلغ السيل الزبى في رفض الوطنجية السعوديين في تويتر لأي رأي أو نقد أو حتى مشاركة غبية تتفق مع الرأي السعودي حين تصدر من شخص ليس سعوديًّا!
لو كتب مغرد قطري في تويتر: العلم السعودي لونه أخضر..
لانهال عليه عشرات الوطنجية السعوديين يقولون:
- أخضر بلون البرسيم يا ثور.
- أخضر في السوق أحمر في أمك، احييه يا قطري.
- أخضر ولا أصفر يا ولد الموزة الصفراء هههههغ.
- يا صهيوني سكر سفارة إسرائيل أول شي.
- ممكن تتكلم عن حقوق الغفران في قطر قبل تتهجم على السعودية؟
- اقووول وين ابن الذيب؟
- ترى قطر كلها نفس بيتنا، ووايرلس واحد يكفيها والبحرين، ونفس مربع كورة، ينامون بلحاف واحد.. إلخ.
- كل bيh&jflصضو يا وصخ يا حقير يا واطي.
- الأخضر يصير أصفر بعدين، أكيد أنت نصراوي متخفي، جحفلي احتياطًا.
- يا خي خلك ببلدك.
- السعودية خط أحمر خلك ببلدك.
- اهتم ببلدك.
- وش دخلك، خلك في بلادك يا الرخمة.
- خلك ببلدك.
- خلك ببلدك .
- هههههه ضحكتني والله، تعرف كيف أرد عليك يا جربوع؟ خلك ببلدك.
- هههه في منتصف الجبهة.
- خلك ببلدك يا موزة يا قطرائيل يا قرضاوي يا رافضي يا صهيوني يا حوثي يا داعشي يا ليبرالي يا حقير.
كل هذا قبل أن يكمل الرجل جملته (العلم السعودي لونه أخضر..) ربما كان يريد أن يكمل العلم السعودي أخضر وأنا أضرب له تحية.
فكيف لو أراد انتقاد مظهر ثقافي في السعودية أو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو فكري، وهمّه في كل ذلك الإصلاح والمساهمة في التطوير والتصحيح، وذلك من منطلَق شعوره أنه مسلم أو عربي أو خليجي أو حتى إنسان، وأن السعودية بلد جزء من اهتمامه بشكل أو بآخر.
هل نرد الرأي الطبي من طبيب مصري في حالةٍ مرضية في السعودية، والمشورة الهندسية من خبير لبناني في بناء مدينة في السعودية، والتعديل التعليمي أو التربوي من مختص سوداني في المناهج في مدارس سعودية كل هذا بحجة أنهم ليسوا سعوديين!
تخيل مريضًا يقول له الطبيب أنت مدخن شره والتدخين أتلف رئتيك فاترك التدخين وإلا ستموت، فيقول له المريض: عفوًا وش جنسيتك؟ فيجيبه الطبيب: أنا عراقي، فيكفهر المريض ثم يقول: أخو هطفة، ما بقى إلا ذي، عراقي يوطوط عندي هنا في السعودية وينتقد رئتيّ الخضراوين بكل بجاحة!
أقول يا عراقي: رئتاي ما هي بشغلك، خلك في رئتيّ بلدك أحسن لك!
عندي يقين أن مثل هذه الردود القبيحة أعلاه تأتي غالبًا من الوطنجية السعوديين الصغار في السن أو العقل، طفل أرضعوه في المدرسة والبيت حكايةً دوغمائية: ارفع راسك أنت سعودي، أنت أفضل، أنت محسود، كلهم ضدك، فـ يالله حارب عن هويتك، ومن هنا تحدّث الأطفال بطريقتهم البدائيّة، لم أره من قبل في بيتنا إذن ليس بعمّي!
مشكلتي مع الوطنجية السعوديين في تويتر
أين أجد المشكلة كمغرد قطري تحدث عن السعودية أو السعوديين؟ أو شارك في هاشتاق حيوي وجده على يساره في تويتر وكان سبب حيويته أن السعوديون أشهروه؟ هل هو هجوم الوطنجية الأطفال الصغار أعلاه؟ طبعًا لا.
بل في تفاعل الكبار سلبيًّا مع ما كتبته، تمامًا كما فعل الصغار!
هنا أجد أن الخلل هو سبب خفي مندس في درس الثقافة أو التربية أو السياسة الداخلية أو مفهوم الوطنية يؤثر في الكبار العقلاء من السعوديين ليتحدثوا إليّ مثل ما يتحدث الصغار:
أبي أقوى من أبيك، بيتنا أكبر من بيتكم، السعودية أحسن من قطر!
*ملحوظة : هذه الحماقة الوطنجية موجودة في كل الدول العربية للأسف، خلك ببلدك، لكن لأن السعوديين في تويتر أكثريّة هم أكثر من يبرزها، وأظن أنهم قد ساهموا في نشرها بين البقيّة مؤخرًا بقصد أو بدون قصد.
1 تعليق
سلمت يمينك لا فض فوك..
احيانا تشعر وانت تحكي عن السعودية مدحا او نقدا.. ويتصدى لك الوطنجية إياهم.. تشعر بداخلك وكأنك تحب السعودية اكثر منهم لانهم يسيئون لبلدهم أضعاف أضعاف ما يحسنون..
والله المستعان