صناعة المبدع في قطر – وسوم عبدالله السالم : مدونة شخصية قطرية ثقافية

صناعة المبدع

صناعة المبدع

صناعة المبدع, مبدع, مبدعوت قطر

معنى صناعة المبدع

صناعة المبدع! المبدع لا يُصنع ابتداء، بل يُكتشف، يحتضَن، ينمَّى، نعم، لكنه لا يُخلق من اللاشيء.

الإبداع موهبة سماوية، زهرة نادرة تنبت فجأةً من الأرض، لكن يمكننا رعاية هذه النبتة، وتهذيبها، وتشذيبها، وإبرازها وإشهارها.

ونحن لدينا مشكلة مع المبدعين، وعندما أقول نحن أقصد الدولة، والمؤسسات، والمسؤولين والمجتمع.

ننتظر مبدعًا يهبط علينا من السماء، جاهزًا ومتكاملًا، ولديه نظام تشغيل ذاتي، المبدع السوبر الذي لا يحتاج إلى شيء، وتحديدًا لا يحتاج إلى العملية التي نهرب منها دائمًا: عملية صناعة المبدع.

ولذا تجد لدينا هذا النزوع الخفي للاحتفاء بالمشاهير، فالمشهور مبدع يعيش عصره الذهبي، ونحن نعشقه فقط في هذه المرحلة لا قبل ولا بعد، مرحلة الجهوزية التامة، والتشغيل الذاتي والهالة.

صناعة المبدع المبكّرة

في البلدان المتقدمة، يتم الاهتمام بالهوايات المبكرة للأطفال، ومن ذلك اهتموا في رياض الأطفال، والمراحل الابتدائية بالتدريس بنماذج أنماط التعلم، التي تراعي الفروقات الفردية بين الطلاب، وتتيح لكل طالب أن يتعلم بالطريقة الأنسب له.

ثمّ بعد ذلك يأتي دور العائلة في تشجيع الشاب على اختيار تخصصه الدراسي، بناءً على ميوله ومواهبه الفطرية، لا بناءً على ثقافة المجتمع وسوق العمل، فتجد الشاب في الغرب ينحدر من سلالة قانونيين وقضاة، لكنه يختار فن الطهي، أو الموسيقى، أو التصميم الداخلي، ولا يجد سيف اللوم مُسلَّطًا على عنقه يصرخ فيه: أفا، فضحتنا، سودت وجيهنا!

ونحن الآن في قطر نعيش مرحلةً انتقاليةً هامة، انتقالية بكل المقاييس، على مستوى النهضة والعمران والتطوير والسياسة ومستويات كثيرة، ولدينا نقص نسبي في عدد المبدعين، ناتجٌ عن النقص الطبيعي في تعدادنا السكاني، بالإضافة إلى ما يمكن تسميته: ظاهرة إهمال المبدعين، أو العزوف عن صناعة المبدع من البداية.

من هو المبدع؟

ليس بالضرورة أن نتوقع مبدعًا يكتشف لنا أسرار الكون، أو يعيد صياغة قوانين الرياضيات كلها.

المبدع هو كل شخص لديه موهبة نافعة، يتميز فيها عن المستوى العادي.

فالشابة القطرية التي تكتب قصة قصيرة إبداعية بشهادة المختصين هي مبدعة، وهي مشروع روائية عالميّة، وبالتالي هي هدف واضح لعملية صناعة المبدع.

والشاب القطري الذي يمتلك مهارات رياضية خاصة هو مبدع ومشروع رياضي دولي، وبالتالي هو هدف واضح لعملية صناعة المبدع.

والذي ابتكر جهازًا أو آلةً أو قانونًا أو فكرة أو نظرية، كل هؤلاء مبدعون، يجب أن نستثمر مواهبهم بالطاقة القصوى، ونشملهم في سياسة صناعة المبدع.

وضف عليهم الكتاب والمثقفين، الذين يقدمون للوطن والمجتمع أطروحات وأفكارًا مستنيرة.

كيفية صناعة المبدع

عندما نكتشف واحدًا ممن سبق ذكرهم، نهتم به بشكل خاص، نسأل عن احتياجاته ومتطلباته ونوفرها، ونهيئ له كل الظروف لخلق بيئة صحية مريحة، ليكمل مشواره الإبداعي ويترقى فيه، بعبارة أخرى: ندخله في معمل صناعة المبدع.

فالشاب الموظف يجب أن لا يحمل هم الاحتياج المادي بعد اليوم، والطالب الجامعي يُزوَّد بكل الإمكانيات التي تجعله أفضل، دروس، دورات تدريبية، لغات، مشاركات خارج الوطن.. إلخ، وهكذا.

قرأت ذات مرة، أن بعض الشركات اليابانية التقنية الكبرى لديها عرفٌ داخلي متبع، وهو أن لديها بعض المصممين والمهندسين السوبر، أولئك الذين يغيرون ذوق العالم التقني كل بضع سنوات، من خلال ابتكارهم لتكنولوجيا حديثة، أو تصميم فكرة أو تقنية ما، هؤلاء النخبة تتعامل معهم الشركة بحساسية خاصة، وللواحد منهم كل شهر ثلاثة أيام إجازة مدفوعة الأجر بسقف مفتوح، سافر، استمتع، هايط، ابطش بوهج الحياة، ولا تحمل هم الفاتورة، المهم لدينا أن تعود لنا بعد ثلاثة أيام مرتاح البال، متجدد الحياة، صافي الذهن.

هذا شكل من أشكال صناعة المبدع، وبالطبع الشركة اليابانية لا تقدم كل هذا الحب والحنان لأجل سواد عينيه الضيقة، بل لما يفجره كل بضع سنوات من فكرة تجارية تعصف بالسوق.

أنا لا أطالب بهذا ولا قريبًا منه، ولكن الاستثمار السخي والمعقول والمنضبط في المبدع سيعود على الوطن، وعلى المجتمع بالعطاء والمجد معًا.

المبدعون في قطر

خالد أبو جسوم، جابر الحنزاب: شابان قطريان مبدعان، لا أدري ماذا حدث لهما، لكن يُفترض بالدولة أن تتبناهما من الألف إلى الياء، لتخلق لهما بيئةً صحيّةً للتفكير والابتكار ومواصلة المشوار، ما البيئة التي أعني؟

كل شيء، لم يعد عليك بعد اليوم يا خالد يا أبا جسوم، ولا يا جابر الحنزاب، أن تشغلا بالكما في الإمكانيات المادية واللوجستية لأي فكرة تريدان تجربتها، أو مشروع ابتكاري تريدان إطلاقه، أو التخطيط له، ولأجل هذا الهدف الأساسي (صناعة المبدع فيكما) سنسهّل لكما بقية التفاصيل الحياتية العادية.

فهد المرسل: شاعر، وملحن مبدع، شاعر يوظف الكثير من الأيقونات الثقافية العالمية في نصوص نبطية! ينبغي أن نحتضن هذه الموهبة، وندفع بالمبدع إلى الأمام، ها نحن وفرنا لك الحقل المناسب، فقم صباحًا بكل نشاط لزراعة المزيد من الورد أيها البستاني.

والأسماء كثيرة، لا ليست كثيرة بالفعل، لكني لست في صدد استيفاء ذكرها.

المبدعون في قطر ليسوا كثر، السكان بأكملهم ليسوا كثر، الحراك الثقافي كسول، لذا لن تكون ميزانية هذه السياسة الوطنية مكلفة جدًّا، كيف وهي سياسة تنمي البنية التحتية للوعي والثقافة في الوطن؟ بالطبع أتحدث الآن عن السياسة الداخلية المرسومة للتنمية الحقيقية، لا أتحدث عن (الراقصون على مسرح التنمية).

مصنع الإبداع

ربما لتفعيل هذه السياسة الخلاقة بعناية، يجب أن يكون هناك في الدولة هيئة أو مؤسسة عليها أشخاص يتصفون بعمق الرؤية والرأي، تبدأ في البحث الدؤوب عن كل مبدع قطري في المجالات المختلفة، ودراسة حالة هذا المبدع، وموضوع إبداعه، وقوته وما إلى ذلك ومن ثم احتواء هذا المبدع بالكامل، ليكمل مشواره الإبداعي بارتياح ودوافع إيجابية، مع وجود شروط وضمانات للإنتاج الإبداعي واستمراره.

أي: مصنع الإبداع.

د. عبدالله السالم
د. عبدالله السالم
شاعر ناقد مدون من قطر

اترك لي أثرك