ملهمة
مثل دفقة ماء..
تنساب بين أصابعك؛
وفي اللحظة التي تظن أنك أمسكت بها
تجدها عند الزاوية المريبة كأنها تغزل موعدًا آخر؛
تربكك إلى حد الإرهاق؛
وتوقظ في قاموس أوجاعك مفردات سخيفة،
تتلاشى دفعةً واحدةً عند الابتسامة الأولى.
في الطريق إلى الحرم الإبراهيمي، ستحدثك عن الله وعن الشيطان معًا
وستغني مع فيروز أنها تصلي، وتقطع الأغنية بشتيمة سوقيّة عابرة!
وأثناء جلوسكما في بهو الفندق الفسيح، لكل عدسات المراقبة ستبكي، لأن صديقها المريض لا يتشافى،
ولأن الطبراوي العجوز مات،
ولأن ابنتها الصغيرة تؤرخ كل يوم غياب.
لا تندهش،
ستبكي لأن أسوار عكّا تصمت مكرهة،
ولأن القرميد نسي لونه،
ولأن البحر لم يعد غامضًا في قطر.
أتريد أن تتعلم شيئًا جديدًا؟
راقب حين تشيح بوجهها الجاد عن الرجل الأبّهة، لتفرش جفنيها الحانيين في الحال لصبي مُهمّش يجر عربة الحقائب.
حين تميل عن خطى القافلة الرسمية، لتداعب طفلًا متسخًا في الشارع.
حين تتأخر عن احتفالية الاستقبال المنتظر، لتصور وردةً علقت في حائط إسمنتي.
حين تنقش بأصابعها النحيلة توقيع احتجاج على الجدار العازل.
في المقابل، لا تنغمس كثيرًا في الأمان،
إن خاتلها الشك، ستلعنك بصمت مثل أفعى،
وإن شعرت بالغيرة، ستغرس في نحرك نصلًا باردًا استعارته من الجيران،
وستدعو أصدقاءها على الوليمة.
ستلعق دماءك أمام الحاضرين المنتظرين لأدنى إشارة استباحة، كي يرسموا بارتياح شعارات النبذ والإقصاء على ما تبقى من أطرافك.
هي آخر من تود معاداته.
هي ولاّدة.
وكل الشعراء المحتملين في طريقها أبناء زيدون،
أبناء زيتون.
وبالرغم من أنها لا تمكّن عاشقها من صحن خدها، ولا تمنح قبلتها من يشتهيها،
إلا أنها تتركه على بُعد حذفة عصا من تلك الأمنية.
علمها الصمت أن اللغة مسرحٌ للاشتباكات، والدسائس، والألعاب الخطرة،
لذا لا تهمل أي حرف أو نبرة أو لفتة، حتى ولو كانت دون قصد.
علمتها الغربة أن الحرية قوامها الصدق،
والصدق مكلّف في بلداننا المزيفة،
لذا وجدت نفسها وجهًا لوجه مع مخالب المجتمع المخبَّأة في أيادي السلام.
علمتها التجارب أن الرجل يستنزفها أكثر مما يستحق،
فألحقت واو الجماعة بضمير الغائب.
علمها الحب أن الجسد مرحلة ظرفية،
فنفخت في روح التوهّم.
علمتني لغة الصمت ولغة الحس، وتعلمت معها فضيلة الأناة والحذر.
هي ملهمتي،
ملهمة الشعراء،
ملهمة القصائد.
5 تعليقات
ايه المدونه الحلوه دي ده
كلامك حلو اووووووووى
كلامك حلو وجميل بجد عجبنى موووووووووووووووووت
لكم منى اجمل تحية
الملهمه واحدة في العمر عادة تمر في اول العمر واحيانا نقول (اصد واقول مدري ويش انا خابر ) وقد تمر متاخرة.
تدري : ليت اسوار عكا تتكلم :)
اي نوع من الالهام عبدالله ؟ مابقى شي يلهمنا الظاهر عندنا تبلد في الاحاسيس
تحياتي
كثيرات هن الملهمات في طرق الحياة،تجدهن في أسواقنا الشعبية يبسطن مابقي مما قد نحسبه تراثا يطالعن بحيرة من يمر أمامهن ،تجدهن كمهاجرات غير شرعيات
فقدنا إحساسا جميلا لطالما تمتعن به في الصبا ،إحساسا من الحرص على مانسميه شرفا وحياءا،تجدهن يشبهن ولادتك بنت المستكفي بالله تنتظر إطراءا ومنافسة زيدونية على بقايا القلب والجسد….
أمتعني ماكتبت عبدالله كعادتك ،تقبل مروري